للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرٌ من النّاس، بل رؤيةُ التّوكُّل وأنَّه من عينِ الجود ومحضِ المنّة ومجرَّدِ التَّوفيق عبوديّةٌ، وهي أكمَلُ من كونه يغيب عنه ولا يراه. فالأكمَلُ أن لا يغيب بفضل ربِّه عنه، ولا به عن شهود فضله، كما تقدَّم بيانه.

فهذه العللُ الثّلاثُ هي التي تعرض في مقام التّوكُّل وغيره من المقامات، وهي التي يعمل العارفون بالله وأمره على قطعها. وهكذا الكلام في سائر علل المقامات، وإنّما ذكرنا هذا مثالًا لما يذكر من عللها. وقد أفرد لها صاحبُ «المنازل» مصنّفًا لطيفًا (١)، وجعل غالبَها معلولًا. والصَّوابُ: أنَّ عللها هذه الثّلاثة المذكورة: أن يتركَ بها ما هو أعلى منها، وأن يعلِّقَها بحظِّه والانقطاعُ بها عن المقصود، وأن لا يراها من عين المنّة ومحض الجود. وبالله التّوفيق.

قوله (٢): (والتّوحيد على ثلاثة أوجهٍ: الوجه الأوّل: توحيد العامّة، الذي يصحُّ بالشّواهد. والوجه الثّاني: توحيد الخاصَّة، وهو الذي يثبت بالحقائق. والوجه الثّالث: توحيدٌ قائمٌ بالقِدَم، وهو توحيد خاصَّة الخاصَّة).

فيقال: لا ريب أنَّ أهلَ التّوحيد متفاوتون في توحيدهم ــ علمًا ومعرفةً وحالًا ــ تفاوتًا لا يحصيه إلّا الله. فأكمَلُ النّاس توحيدًا: الأنبياءُ صلوات الله وسلامه عليهم، والمرسلون منهم أكمَلُ في ذلك، وأولو العزم من الرُّسل أكملُهم توحيدًا، وهم نوحٌ، وإبراهيم، وموسى، ومحمّدٌ صلوات الله وسلامه عليهم. وأكمَلُهم توحيدًا: الخليلان محمّدٌ وإبراهيم صلوات الله وسلامه


(١) اسمه «علل المقامات»، وعليه اعتمد ابن العريف في «محاسن المجالس». انظر: «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٣٥).
(٢) «منازل السائرين» (ص ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>