للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهما، فإنَّهما قاما من التَّوحيد بما لم يقم به غيرُهما علمًا ومعرفةً وحالًا، ودعوةً للخلق وجهادًا. فلا توحيد أكمَلُ من الذي قامت به الرُّسلُ، ودعَوا إليه، وجاهَدوا الأمم عليه.

ولهذا أمر الله سبحانه نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي بهم فيه، كما قال سبحانه بعد ذكر إبراهيم ومناظرته قومَه في بطلان الشِّرك وصحّة التّوحيد، وذكَر الأنبياءَ من ذرِّيّته، ثمّ قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٨٩]. فلا أكملَ من توحيد مَن أُمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي بهم.

ولمَّا قاموا بحقيقة التوحيد علمًا وعملًا ودعوةً وجهادًا جعَلَهم الله أئمّةً للخلائق، يهدُون بأمره، ويدعُون إليه. وجعل الخلائقَ تبعًا لهم، يأتمرون بأمرهم، وينتهون إلى ما وقفوا بهم عنده (١)؛ وخصَّ بالسَّعادة والفلاح والهدى أتباعَهم، وبالشَّقاء والضّلال مخالفيهم؛ وقال لإمامهم وشيخهم إبراهيم خليله: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي} [البقرة: ١٢٤]، أي لا ينال عهدي بالإمامة مشركًا.

ولهذا أوصى نبيَّه محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يتَّبع ملّةَ إبراهيم. وكان يعلِّم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبيِّنا محمَّدٍ، وملَّةِ أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين» (٢)، فملّةُ


(١) «عنده» ساقط من ش.
(٢) أخرجه أحمد (١٥٣٦٣، ١٥٣٦٧) والدارمي (٢٧٣٠) والنسائي في «الكبرى» (٩٧٤٣، ١٠١٠٣) وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٣٤) وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن أبزى. والحديث حسَّنه الحافظ في «نتائج الأفكار» (٢/ ٤١٠)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (٢٩٨٩) وقد فصَّل القول فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>