للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن (١) يريد أنّ هذه الملاحظة تبعثُه على الشُّكر لله في السّرّاء والضّرّاء في كلِّ حينٍ، إلّا ما عجزتْ قدرته عن شكره، فإنّ الحقّ سبحانه هو الذي يقوم به لنفسه بحقِّ كمالِه المقدّس وكمالِ صفاته ونعوته. فتلك الملاحظة تبسط العبدَ للشكر، إلَّا الشُّكر الذي يَعجِز عنه ولا يقدِر أن يقوم به. فإنّ شكْرَ العبد لربِّه نعمةٌ من الله أنعم بها عليه، فهي تستدعي شكرًا آخر عليها، وذلك الشُّكر نعمةٌ أيضًا فيستدعي شكرًا ثالثًا، وهَلُمَّ جرًّا. فلا سبيلَ إلى القيام بشكر الرّبِّ على الحقيقة.

ولا يشكره على الحقيقة سواه، فإنّه المُنعِم بالنِّعمة وبشكْرِها، فهو الشَّكور لنفسه وإن سَمّى عبدَه شكورًا، فمِدحةُ الشُّكر في الحقيقة راجعةٌ إليه وموقوفةٌ عليه. وهو الشّاكر لنفسه بما أنعم به على عبده. فما شَكَرَه في الحقيقة سواه، مع كون العبد عبدًا والرّبِّ ربًّا. فهذا أحد المعنيين من (٢) كلامه.

المعنى الثّاني: أنّ هذا اللّحظ يبسطُه للشُّكر الذي هو وصفه وفعله، لا الشُّكر الذي هو صفة الرّبِّ جلّ جلاله وفعله. فإنّه سمّى نفسه بالشَّكور كما قال: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: ١٤٧]، وقال أهل الجنّة: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: ٣٤]. فهذا الشُّكر الذي هو وصفه سبحانه لا يقوم إلّا به، ولا يبعث العبدَ عليه الملاحظةُ المذكورة إلّا على وجهٍ واحدٍ، وهو أنّه إذا لاحظَ سبْقَ الفضل منه سبحانه علِمَ أنّه فعل ذلك لمحبّته للشُّكر. فإنّه


(١) «أن» ليست في ت.
(٢) ر: «في».

<<  <  ج: ص:  >  >>