للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكرنا فيه فوائد المحبّة، وما تُثمِر لصاحبها من الكمالات، وأسبابها وموجباتها، والرّدّ على من أنكرها، وبيان فساد قوله، وأنّ المنكرين لذلك قد أنكروا خاصّة الخلق والأمر، والغاية التي وُجِدا لأجلها، فإنّ الخلق والأمر والثّواب والعقاب إنّما نشأ عن المحبّة ولأجلها، وهي الحقُّ الذي خُلِقت به السّماوات والأرض، وهي الحقُّ الذي تضمَّنه الأمر والنّهي، وهي سرُّ التألُّه.

وتوحيدُها هو شهادة أن لا إله إلّا الله، وليس كما زعم المنكرون أنّ الإله هو الرّبُّ الخالق، فإنّ المشركين كانوا مقرِّين بأنّه لا ربَّ إلّا الله، ولا خالقَ سواه، وأنَّه وحدَه المنفردُ بالخلق والرُّبوبيّة، ولم يكونوا مقرِّين بتوحيد الإلهيّة، وهو المحبّة والتّعظيم، بل كانوا يتألَّهون مع الله غيرَه. وهذا هو الشِّرك الذي لا يغفره الله، وصاحبه ممّن اتّخذ من دون الله أندادًا.

قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٦٥]. فأخبر أنّ من أحبّ من دون الله شيئًا كما يحبُّ الله تعالى فهو ممّن اتّخذ من دون الله أندادًا، فهذا نِدٌّ في المحبّة، لا في الخلق والرُّبوبيّة، فإنّ أحدًا من أهل الأرض لم يُثبِت هذا النِّدّ، بخلاف ندِّ المحبّة، فإنّ أكثر أهل الأرض قد اتّخذوا من دون الله أندادًا في الحبِّ والتّعظيم.

ثمّ قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥]، وفي تقدير الآية قولان (١):

أحدهما: والّذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله من أصحاب الأنداد لأندادهم


(١) انظر: «تفسير البغوي» (١/ ١٣٦)، و «تفسير القرطبي» (٢/ ٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>