تعلّقت بعموم الإحسان سُمِّيت رحمة، وإن تعلَّقت بالإحسان والإنعام الخاصِّ سُمِّيت بِرًّا، وإن تعلَّقتْ بإيصاله في خفاءٍ من حيثُ لا يشعُر ولا يحتسِب سُمِّيتْ لطفًا. وهي واحدةٌ، ولها أسماءٌ وأحكامٌ باعتبار متعلَّقاتها.
ومن جعلَ محبّته للعبد ثناءه عليه ومدْحَه له ردَّها إلى صفة الكلام. فهي عنده من صفات الذّات، لا من صفات الأفعال.
ومن جعلها نفسَ الإنعام والإحسان فهي عنده من صفات الأفعال، والفعل عنده نفس المفعول. فلم يَقُمْ بذات الرّبِّ محبّةٌ لعبده ولا لأنبيائه ورسله البتّة.
ومن ردّها إلى صفة الإرادة جعلها من صفات الذّات باعتبار أصل الإرادة، ومن صفات الأفعال باعتبار تعلُّقها.
ولمّا رأى هؤلاء أنّ المحبّة إرادةٌ وأنّ الإرادة لا تتعلّق إلّا بالمُحدَث المقدور، والقديم يستحيل أن يُراد= أنكروا محبّة العباد والملائكة والأنبياء والرُّسل له، وقالوا: لا معنى لها إلّا إرادة التّقرُّب إليه والتّعظيم له وإرادة عبادته، فأنكروا خاصّةَ الإلهيّة وخاصّة العبوديّة، واعتقدوا هذا من موجبات التّوحيد والتّنزيه. فعندهم لا يتمُّ التّوحيد والتّنزيه إلّا بجحْدِ حقيقة الإلهيّة، وجحْدِ حقيقة العبوديّة.
وجميع طرق الأدلّة ــ عقلًا ونقلًا وفطرةً، وقياسًا واعتبارًا، وذوقًا ووجدًا ــ تدلُّ على إثبات محبّة العبد لربِّه والرّبِّ لعبده.
وقد ذكرنا من ذلك قريبًا من مائة طريقٍ في كتابنا الكبير في المحبّة (١)،
(١) ذكره المؤلف فيما مضى (١/ ١٤١، ٢/ ٢٨٧)، وفي «مفتاح دار السعادة» (١/ ١٢٧). وهو غير «روضة المحبين» كما بينت ذلك في مقدمة تحقيقه (ص ٨).