للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك العفوُ بعد القدرة {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} (١) [النساء: ١٤٩]، واقترانُ العلم بالحلم {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: ١٢]. وحَمَلةُ العرش أربعةٌ: اثنان يقولان سبحانك اللهمّ وبحمدك، لك الحمدُ على حلمك بعد علمك. واثنان يقولان: سبحانك اللهمّ وبحمدك، لك الحمدُ على عفوك بعد قدرتك (٢). فما كلُّ من قدَر عفا، ولا كلُّ من عفا يعفو عن قدرةٍ؛ ولا كلُّ من علِمَ يكون حليمًا، ولا كلُّ حليمٍ عالمٌ. فما قُرِن شيءٌ إلى شيءٍ أزينَ من حلمٍ إلى علمٍ، ومن عفوٍ إلى قدرةٍ، ومن مُلكٍ إلى حمدٍ، ومن عزَّةٍ إلى رحمةٍ {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: ٩].

ومن هاهنا كان قول المسيح عليه السّلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٨] أحسنَ من أن يقول: وإن تغفر لهم فإنّك أنت الغفور الرّحيم. أي إن غفرتَ لهم كان مصدرُ مغفرتك عن عزّةٍ وهي كمالُ القدرة، وعن حكمةٍ وهي كمالُ العلم. فمَن غفَر عن عجزٍ وجهلٍ بجرم الجاني، فأنت لا تغفر إلّا عن قدرةٍ تامّةٍ، وعلمٍ تامٍّ، وحكمةٍ تضع بها الأشياء مواضعها. فهذا أحسن من ذكر الغفور الرّحيم في هذا


(١) في الأصل وغيره: "وكان الله عفوًّا قديرًا"، وهو سهو وقع في منزلة الأدب (٣/ ١٤٧) أيضًا.
(٢) نقله المؤلف في منزلة الأدب (٣/ ١٤٧) أيضًا وقال: "وفي بعض الآثار: حملة العرش أربعة ... "، وهكذا نقله في "بدائع الفوائد" (١/ ١٤٠)، و"عدة الصابرين" (ص ٥٣٣)، و"الروح" (ص ٦٧٩). والوارد في الأثر المذكور: "حملة العرش ثمانية: أربعة ... وأربعة ... ". وقد أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (٣/ ٣٤٢)، وابن أبي شيبة في "كتاب العرش" (٢٤) عن شهر بن حوشب؛ وأبو نعيم في "الحلية" (٦/ ٧٤) عن حسان بن عطية. وقال الذهبي في "العلو" (١٤٩): "إسناده قوي".

<<  <  ج: ص:  >  >>