للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبدَ الله بحالٍ مجرّدٍ عن علمٍ لم يزددْ من الله إلّا بعدًا.

قوله: (وعلل السّعي)، يعني: أنّ السّالك يغيب عن علل سعيه وعمله.

وهذه العلل عندهم: هي اعتقاده أنّه يصل بها إلى الله، وسكونُه إليها، وفرحُه بها ورؤيتها، فيغيب عن هذه العلل.

ومراده بغَيبته عنها: إعدامها حتّى لا تحضره، لا أنّه يغيب عنها وهي موجودةٌ قائمةٌ. نعم إذا اعتقد أنّ الله يُوصِله إليه بها، ويفرح بها من جهة الفضل والمنّة وسَبْق الأوّلية، لا من جهة الاكتساب والفعل= لم يضرَّه ذلك، بل هذا أكمل، وهو في الحقيقة سكونٌ إلى الله وفرحٌ به، واعتقاد أنّه هو المُوصِل لعبده إليه بما منه وحده، لا بحول العبد وقوّته، فهذا لونٌ وهذا لونٌ.

والحاصل: أنّه إذا انتقل عن أحكام العلم المجرّد إلى أحكام الحال المصاحب للعلم غابت عنه عللُ السّعي.

وكذلك تغيب عنه رُخَصُ الفتور، فلا ينظر إلى عزيمة السّعي، ولا يقف مع رُخَص الفتور، فهما آفتان للسّالك، فإنّه إمّا أن يتجرَّد عزمُه وهمُّه، فينظر إلى ما منه، وأنّ همّته وعزيمته تحمله وتقوم به، وإمّا أن يترخّص برخصةٍ تُفَتِّر عزمَه وهمّتَه. فكمالُ جِدِّه وصدقه وصحّة طلبه يُخلِّصه من رُخَص الفتور، وكمالُ توحيده ومعرفته بربِّه ونفسه يُخلِّصه من علل السّعي.

فصل

قال (١): (الدّرجة الثّالثة: غَيبة العارف عن عيون الأحوال والشّواهد


(١) «المنازل» (ص ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>