للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): (وهي على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة الأولى: أن تُعطي كلّ شيءٍ حقَّه ولا تُعدِّيه حدّه، ولا تُعجِّله عن وقته، ولا تُؤخِّره عنه).

لمّا كانت الأشياء لها مراتب وحقوقٌ تقتضيها شرعًا وقدرًا، ولها حدودٌ ونهاياتٌ تصل إليها ولا تتعدّاها، ولها أوقاتٌ لا تتقدّم عنها ولا تتأخّر= كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثّلاث: بأن يُعطي المرتبةَ حقَّها الذي أحقَّه الله لها بشرعه وقدره، ولا يتعدّى بها حدّها فيكون متعدِّيًا مخالفًا للحكمة، ولا يطلب تعجيلها عن وقتها فيخالف الحكمة، ولا تأخيرها عنه فيفوتها.

وهذا حكمٌ عامٌّ لجميع الأسباب مع مسبّباتها شرعًا وقدرًا، فإضاعتها تعطيلٌ للحكمة بمنزلة إضاعة البذر وسَقْي الأرض.

وتعدِّي الحقِّ: كسَقْيها فوقَ حاجتها، بحيث يغرق البذر والزّرع ويفسد.

وتعجيلها عن وقتها: كحصاده قبل إدراكه وكماله.

وكذلك تركُ الغذاء والشّراب واللِّباس إخلالٌ بالحكمة، وتعدِّي الحدِّ المحتاج إليه خروجٌ عنها أيضًا، وتعجيل ذلك قبل وقته إخلالٌ بها أو تأخيره عن وقته.

فالحكمة إذًا: فعلُ ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.

والله تعالى أورث الحكمة آدمَ وبنيه. فالرّجل من له إرثٌ كاملٌ من أبيه، ونصفُ الرّجل ــ كالمرأة ــ له نصف ميراثٍ، والتّفاوت في ذلك لا يحصيه إلّا الله تعالى.


(١) «المنازل» (ص ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>