للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كانت هذه القوافي الثّلاثة أولى بمذهب هؤلاء ونحلتهم. ولهذا تلقّاها بالقبول عارفوهم وبالغوا في استحسانها، وقالوا: هي ترجمةُ مذهب أهل التَّحقيق. فكلُّ من وحَّد الله فهو جاحدٌ لإطلاقه، فإنّه يصفه فيحصره تحت الأوصاف، وحصرُه تحتها جحدٌ لإطلاقه عن قيود الصِّفات والنُّعوت. ولهذا كان توحيدُ الواصف النّاعت له عاريَّةً استعارها حتّى قام له من ذلك وصفٌ وموصوفٌ، وموحِّدٌ وموحَّدٌ. والوحدةُ المطلقةُ تُبطل هذه العاريَّةَ، وتردُّ المستعار إلى الوجود المطلق الذي لا يتقيَّد بوصفٍ ولا يتخصَّص بنعتٍ.

ثمّ كشف الغطاء عن ذلك، فقال: (توحيده إيّاه توحيدُه)، أي هو الموحِّد لنفسه بنفسه، لا أنَّ غيرَه يوحِّده، إذ ليس ثمَّ غيرٌ.

وزاد إيضاح ذلك بقوله: (ونعتُ من ينعته لاحدُ). والإلحاد هو الميل عن الصَّواب، والنَّعتُ تقييدٌ وتخصيصٌ لمن لا يتقيَّد ولا يتخصَّص، فهو إلحادٌ.

وأحسَنُ ما يحمل عليه كلامه: أنَّ الفناءَ في شهوده الأزليّةَ والحكمَ يمحو شهودَ العبد لنفسه وصفاته، فضلًا عن شهود غيره، فلا يشهد موجودًا فاعلًا على الحقيقة إلّا الله وحده. وفي هذا الشُّهود تفنى الرُّسوم كلُّها، فلا يُبقي هذا الشُّهود والفناء رسمًا البتّة. فيمحو (١) هذا الشُّهودُ من القلب كلَّ ما سوى الحقِّ (٢)، لا أنّه يمحَقُه من الوجود. وحينئذٍ يشهد أنَّ التَّوحيدَ الحقيقيَّ غيرَ


(١) ت: «فيمحق».
(٢) ت: «سوى الله تعالى».

<<  <  ج: ص:  >  >>