قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة الأولى: أن تَعرِف مقام الخلق، وأنّهم بأقدارِهم مربوطون، وفي طاقتهم محبوسون، وعلى الحكم موقوفون. فتستفيد بهذه المعرفة ثلاثة أشياء: أمْنَ الخلق منك حتّى الكلب، ومحبّة الخلق إيّاك، ونجاة الخلق بك).
يُريد بهذه الدّرجة: تحسينَ الخُلُق مع الخَلْق في معاملتهم وكيفيّة مصاحبتهم، وبالثّانية: تحسينَ الخُلُق مع الله في معاملته، وبالثّالثة: درجة الفناء على أصله.
فقال: إذا عرفتَ مقام الخلق ومقاديرهم، وجريانَ الأحكام القدريّة عليهم، وأنّهم مقيّدون بالقدر، لا خروجَ لهم عنه البتّةَ، ومحبوسون في قدرتهم وطاقتهم، لا يُمكِنهم تجاوزُها إلى غيرها، وأنّهم موقوفون على الحكم الكونيِّ القدريِّ لا يتعدَّونه= استفدتَ بهذه المعرفة ثلاثة أشياء:
أمْن الخلق منك، وذلك أنّه إذا نظر إليهم بعين الحقيقة لم يطالبهم بما لا يقدرون عليه، وامتثلَ فيهم أمرَ الله لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - بأخذ العفو منهم، فأَمِنوا من تكليفِه إيّاهم وإلزامِه لهم ما ليس في قواهم وقُدَرهم.
وأيضًا فإنّهم يأمنون لائمتَه، فإنّه في هذه الحال عاذِرٌ لهم فيما يجري عليهم من الأحكام فيما لم يأمر الشّرع بإقامته فيهم، لأنّهم إذا كانوا محبوسين في طاقتهم فينبغي مطالبتُهم بما يُطالَب به المحبوس، وعذْرهم بما