للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنافاة النَّوح للصبر، والغناء والمعازف للشُّكر= أمرٌ معلومٌ بالضرورة من الدِّين (١)، لا يمتري فيه إلَّا أبعد النّاس من العلم والإيمان، فإنَّ الشُّكر هو الاشتغال بطاعة الله لا بالصَّوت الأحمق الفاجر الذي هو للشيطان، وكذلك النَّوح ضدُّ الصبر، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في النائحة وقد ضَرَبها حتَّى بدا شعرُها وقال: «لا حرمة لها؛ إنَّها تأمر بالجزع وقد نهى الله عنه، وتنهى عن الصَّبر وقد أمر الله به، وتفتن الحيَّ وتؤذي الميِّت، وتبيع عَبرتها وتبكي بشَجْوِ غيرها» (٢).

ومعلومٌ عند الخاصَّة والعامَّة أنّ فتنة سماع الغناء والمعازف أعظم من فتنة النوح بكثيرٍ، والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب أنَّه ما ظهرت المعازفُ وآلات اللهو في قومٍ وفَشَت فيهم واشتغلوا بها إلَّا سُلِّط عليهم العدوُّ، وبُلُوا بالقحط والجدب وولاة السُّوء، والعاقل يتأمَّل أحوال العالَم وينظر، والله المستعان.

ولا تستطِل كلامَنا في هذه المنزلة، فإنَّ لها عند القوم شأنًا عظيمًا.

وأمَّا قولهم: من أنكر على أهله فقد أنكر على كذا وكذا وليٍّ (٣) لله، فحجَّة عامِّيَّة. نعم، أنكر (٤) أولياء الله على أولياء الله؛ كان ماذا؟! فقد أنكر


(١) م، ش: «الذي»، وله وجه.
(٢) أخرجه عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (٣/ ١٥) عن الأوزاعي قال: بلغني أن عمر ... إلخ بنحوه. وأخرج عبد الرزاق (٦٦٨١، ٦٦٨٢) صدره إلى قوله: «لا حرمة لها» بإسنادين مرسلين عن عمر.
(٣) كذا في النسخ، والجادة النصب. وقد سبق مثله (ص ١٤٦).
(٤) ع: «إذا أنكر».

<<  <  ج: ص:  >  >>