للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقول: طريقٌ معبَّدٌ أي مذلَّلٌ، والتّعبُّد: التّذلُّل والخضوع. فمن أحببتَه ولم تكن خاضعًا له لم تكن عابدًا له. ومن خضعتَ له بلا محبّةٍ لم تكن عابدًا له حتّى تكون محبًّا خاضعًا. ومن هاهنا كان المنكرون محبّةَ العباد لربِّهم منكرين حقيقة العبوديّة، والمنكرون (١) لكونه محبوبًا لهم، بل هو غايةُ مطلوبهم، ووجهُه الأعلى نهايةُ بغيتهم= منكرين لكونه إلهًا. وإن أقرُّوا بكونه ربًّا للعالمين وخالقًا لهم، فهذا غاية توحيدهم (٢)، وهو توحيد الرُّبوبيّة الذي اعترف به مشركو العرب، ولم يخرجوا به من الشِّرك، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥] (٣)، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: ٨٧]، {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٥]. ولهذا يحتجُّ عليهم به على توحيد إلهيّته، وأنّه لا ينبغي أن يُعبد غيرُه، كما أنّه لا خالقَ غيرُه ولا ربَّ سواه.

والاستعانة تجمع أصلين: الثِّقة بالله، والاعتماد على الله؛ فإنّ العبد قد يثق بالواحد من النّاس ولا يعتمد عليه في أموره مع ثقته به، لاستغنائه عنه. وقد يعتمد عليه مع عدم ثقته به، لحاجته إليه ولعدم من يقوم مقامه، فيحتاج إلى اعتماده عليه مع أنّه غير واثقٍ به.

والتّوكُّل معنًى يلتئم من الأصلين: من الثِّقة، والاعتماد. وهو حقيقة {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.


(١) ع: "منكرون ... والمنكرين"، وهو خطأ.
(٢) "وهو" من ع وحدها.
(٣) بعده في ع زيادة: "وقال تعالى".

<<  <  ج: ص:  >  >>