للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مسالمة الحكم نكتةٌ لا بدَّ منها، وهي تجريد إضافته ونسبته إلى من صدر عنه، بحيث لا ينسبه إلى غيره.

وهذا يتضمّن توحيدَ الرُّبوبيّة في مسالمة الحكم الكونيِّ، وتوحيدَ الإلهيّة في مسالمة الحكم الدِّينيِّ، وهما حقيقة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

وأمّا الخلاص من الخصومة فإنّما يُحمد منه الخلاص من الخصومة بنفسه لنفسه، وأمّا إذا خاصم بالله ولله فهذا من كمال العبوديّة. وكان النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في استفتاحه: «اللهمّ لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ» (١).

قال (٢): (الدّرجة الثّانية: غنى النّفس. وهو استقامتها على المرغوب، وسلامتها من الحظوظ (٣)، وبراءتها من المراياة (٤)).

جعل الشّيخ - رحمه الله - غنى النّفس فوق غنى القلب. ومعلومٌ أنّ أمور القلب أكملُ وأقوى من أمور النّفس. لكنّ في هذا التّرتيب نكتةً لطيفةً، وهي أنّ النّفس من جند القلب ورعيّته، ومن أشدِّ جنده خلافًا عليه وشِقاقًا له، ومن قِبَلِها تتشوَّشُ (٥) عليه المملكة ويدخلُ عليه الدّاخل. فإذا حصل له كمالٌ بالغنى لم يتمَّ له إلّا بغناها أيضًا، فإنّها متى كانت فقيرةً عاد حكم فقرها


(١) أخرجه البخاري (١١٢٠) ومسلم (٧٦٩) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) «المنازل» (ص ٥٧).
(٣) في المنازل: «المسخوط».
(٤) كذا في النسخ و «المنازل» بالياء. والمقصود: «المراءاة».
(٥) ل: «تشوش». د: «يشوش».

<<  <  ج: ص:  >  >>