للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك نقد أهل الحديث، فإنّه يمرُّ بهم إسنادٌ ظاهرٌ كالشّمس على متنٍ مكذوبٍ، فيُخرِجه نقدهم كما يُخرِج الصّيرفيُّ الزّغلَ تحت الظّاهر من الفضّة.

وكذلك فراسة التّمييز بين الصّادق والكاذب في أقواله وأفعاله وأحواله.

وللفراسة سببان:

أحدهما: جودة ذهن المتفرِّس، وحِدّة قلبه، وحسن فِطنته.

والثّاني: ظهور العلامات والأدلّة على المتفرَّس فيه.

فإذا اجتمع السّببان لم تكد تُخطئ للعبد فراسةٌ، وإذا انتفيا لم تكد تصحُّ له فراسةٌ، وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر كانت فراستُه بينَ بينَ.

وكان إياس بن معاوية من أعظم النّاس فراسةً، وله الوقائع المشهورة (١). وكذلك الشّافعيُّ - رحمه الله - (٢). وقيل: إنّ له فيها تواليف (٣).

ولقد شاهدتُ من فراسة شيخ الإسلام ابن تيميّة أمورًا عجيبةً (٤)، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم. ووقائُع فراسته تستدعي سِفرًا ضخمًا.

وأخبر أصحابَه بدخول التّتار الشّام سنة تسعٍ وتسعين وستِّمائةٍ، وأنّ


(١) انظرها في «أخبار القضاة» لوكيع (١/ ٣٤٣ - ٣٧٤).
(٢) انظر «مناقب الشافعي» للبيهقي (٢/ ١٣٠ - ١٣٧).
(٣) قال الشافعي: خرجتُ إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتُها وجمعتُها. انظر: «آداب الشافعي ومناقبه» لابن أبي حاتم (ص ١٢٩)، و «حلية الأولياء» (٩/ ١٤٤)، و «مناقب الشافعي» للبيهقي (٢/ ١٣٤).
(٤) «عجيبة» ليست في ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>