للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا لا تُسمّى محبّة العبد لربِّه عشقًا كما سيأتي، لأنّه إفراط المحبّة، والعبد لا يصل في محبّة الله إلى حدِّ الإفراطِ البتّةَ. والله أعلم (١).

التّاسع والعشرون: المحبّة أن يكون كلُّك بالمحبوب مشغولًا، وكلُّك له مبذولًا.

الثّلاثون: وهو من أجمع ما قيل فيها، قال أبو بكرٍ الكتَّانيُّ - رحمه الله -: جرتْ (٢) مسألةٌ في المحبّة بمكّة ــ أعزّها الله ــ أيّامَ الموسم، فتكلَّم الشُّيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرَهم سنًّا. فقالوا: هاتِ ما عندك يا عراقيُّ! فأطرقَ رأسَه، ودَمَعتْ عيناه، ثمّ قال: عبد ذاهبٌ عن نفسه، متّصلٌ بذكر ربِّه، قائمٌ بأداء حقوقه، ناظرٌ إليه بقلبه، أحرقَ قْلبَه أنوارُ هيبته (٣)، وصفا شربُه من كأس وُدِّه، وانكشفَ له الجبّار من أستارِ غيبه. فإن تكلَّم فبالله، وإن نطقَ فعن الله، وإن تحرَّكَ فبأمر الله، وإن سكَنَ فمعَ الله، فهو بالله ولله ومع الله.

فبكى الشُّيوخ وقالوا: ما على هذا مزيدٌ. جَبَرَك الله يا تاجَ العارفين (٤).

فصل

في الأسباب الجالبة للمحبّة والموجبة لها، وهي عشرةٌ:

أحدها: قراءة القرآن بالتّدبُّر والتّفهُّم لمعانيه وما أُريد به، كتدبُّر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهَّم مراد صاحبه منه.


(١) «والله أعلم» ليست في د.
(٢) د: «وقعت».
(٣) كذا في النسخ. وفي «القشيرية» و «روضة المحبين»: «هويَّته».
(٤) الخبر في «الرسالة القشيرية» (ص ٦٦١)، و «روضة المحبين» (ص ٥٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>