للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنَّ الألفاظَ مجملةٌ (١)، وصادفت قلبًا مشحونًا بالاتِّحاد، ولسانًا فصيحًا متمكِّنًا من التعبير عن المراد، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ} [النور: ٤٠].

فصل

قال (٢): (وتوبةُ الأوساط من استقلال المعصية، وهو عينُ الجرأة والمبارزة، ومحضُ التّزيُّن بالحميّة، والاسترسالُ للقطيعة).

يريد أنّ استقلالَ العبدِ المعصيةَ ذنبٌ، كما أنَّ استكثارَه الطَّاعةَ ذنبٌ. والعارفُ من صغُرتْ حسناتُه في عينه، وعظمتْ ذنوبُه عنده. وكلَّما صغُرت الحسناتُ في عينك كبُرتْ عند الله، وكلّما كبُرتْ وعظُمتْ في قلبك قلَّتْ عند الله وصغُرَتْ (٣). وسيِّئاتُك بالعكس. ومَن عرف اللهَ وحقَّه وما ينبغي لعظمته من العبوديّة تلاشت حسناتُه عنده وصغُرت جدًّا في عينه، وعلِم أنّها ليست ممّا ينجو بها من عذابه، وأنَّ الذي يليق بعزّته ويصلحِ له من العبوديّة أمرٌ آخر. وكلَّما استكثَر منها استقلَّها واستصغَرها، لأنّه كلَّما استكثَر منها فُتِحَت له أبوابُ المعرفة بالله والقرب منه، فشاهد قلبُه من عظمته وجلاله ما يستصغِرُ معه جميعَ أعماله، ولو كانت أعمالَ الثَّقَلَين. وإذا كثُرت (٤) في عينه وعظُمت دلَّ على أنّه محجوبٌ عن الله، غيرُ عارفٍ به وبما ينبغي له.


(١) ج، ش: "محتملة".
(٢) "منازل السائرين" (ص ١١).
(٣) ع: "قلَّت وصغرت عند الله".
(٤) م، ش: "كبرت".

<<  <  ج: ص:  >  >>