للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى اتِّصال ذات العبد بذات الرّبِّ كما تتّصل الذّاتان إحداهما بالأخرى، ولا بمعنى انضمام إحدى الذّاتين إلى الأخرى والتصاقها بها. وإنّما مرادهم بالاتِّصال والوصول: إزالة النّفس والخلق من طريق المسير إلى الله.

ولا يُتَوهَّم سوى ذلك، فإنّه عين المحال. فإنّ السّالك لا يزال سائرًا إلى الله حتّى يموت، فلا ينقطع سيره إلّا بالموت. فليس في مدة الحياة وصولٌ يفرغ معه المسير وينتهي، وليس ثَمَّ اتِّصالٌ حسِّيٌّ بين ذات العبد وذات الرّبِّ. فالأوّل تعطيلٌ وإلحادٌ، والثّاني حلولٌ واتِّحادٌ. وإنّما حقيقة الأمر: تنحية النّفس والخلق عن الطّريق، فإنّ الوقوف معهما هو الانقطاع، وتنحيتهما هو الاتِّصال.

وإنما الملاحدة القائلون بوحدة الوجود، فإنّهم قالوا: العبد من أفعال الله، وأفعالُه من صفاته، وصفاتُه من ذاته (١). فأنتجَ لهم تركيبُ هذا التّركيب أنّ العبد من ذات الرّبِّ تعالى.

وموضع الغلط: أنّ العبد من مفعولات الرّبِّ تعالى، لا من أفعاله القائمة بذاته. ومفعولاته آثارُ أفعاله، وأفعاله عن صفاته القائمة بذاته، فذاتُه سبحانه مستلزمةٌ لصفاته وأفعاله، ومفعولاتُه منفصلةٌ عنه. تلك مخلوقةٌ محدَثةٌ، والرّبُّ تعالى هو الخالق بذاته وصفاته وأفعاله.

فإيّاك ثمّ إيّاك والألفاظ المجملة المشتبهة التي وقع اصطلاح القوم عليها، فإنّها أصل البلاء، وهي موردٌ للصِّدِّيق والزِّنديق. فإذا سمع الضّعيفُ المعرفةِ والعلم بما لله لفظَ اتِّصالٍ وانفصالٍ، ومسامرةٍ ومكالمةٍ، وأنّه لا


(١) كما في «شرح التلمساني» (ص ٤٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>