للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إذا لَحظَها (١) بقلبه فرَّ منها، كما يفرُّ الظّبي من الكلب إذا أحسَّ به.

(ولا يَلوِيه سببٌ)، أي: لا يُعوِّج قصدَه للحقِّ سببٌ من الأسباب، ولا يردُّه عنه.

قوله: (ولا يقطعه حظٌّ)، أي: لا يقطعه عن بلوغ مقصوده حظٌّ من الحظوظ النّفسيّة. والقاصد في هذه الدّرجة: هو الذي قد ظفِرَ بالقصد الذي لا يلقى سببًا إلّا قطعه، ولا حائلًا إلّا منعَه، ولا تحاملًا إلّا سهّله. فهذه درجة القاصد، فإذا استدامتْ وتمكَّن فيها السّالكُ فهي الدّرجة الثّانية.

قال الشيخ (٢): (وأمّا الدّرجة الثّالثة: فمكاشفةُ عينٍ، لا مكاشفة علمٍ، وهي مكاشفةٌ لا تَذَرُ سِمةً تشير إلى التذاذٍ، وتُلجِئ إلى توقُّفٍ، أو تُنزِل على ترسُّم، وغاية هذه المكاشفة المشاهدة).

إنّما كانت هذه الدّرجة مكاشفةَ عينٍ لغلبة نور الكشف على القلب، فنزلتْ هذه المكاشفة من القلب، وحلَّتْ منه محلَّ العلم الضّروريِّ الذي لا يمكن جحده ولا تكذيبه، بل صارت للقلب بمنزلة المرئيِّ للبصر والمسموع للأذن والوجدانيّات للنّفس. وكما أنّ المشاهدة بالبصر لا تصحُّ إلّا مع صحّة القوّة المدركة، وعدمِ الحائل من جسمٍ أو ظلمةٍ، وانتفاء البعد المُفرِط، فكذلك المكاشفة بالبصيرة تستلزم صحّة القلب، وعدمَ الحائل والشّاغل، وقربَ القلب ممّن يكاشفه بأسراره.

وليس مراد الشّيخ في هذا الباب: الكشف الجزئيّ المشترك بين


(١) ش: «لحضها». والتصويب من هامشها.
(٢) «المنازل» (ص ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>