للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا فعلتَ ذلك صعدتَ من تفرقته إلى جمعيّتك على الله، فإنّ التّخلُّق والتّصوُّف تهذيبٌ واستعدادٌ للجمعيّة. وإنّما سمّاه تفرقةً لأنّه اشتغالٌ بالغير، والسُّلوك يقتضي الإقبال بالكلِّيّة، والاشتغالَ بالرّبِّ وحده عمّا سواه.

ثمّ يصعد إلى ما (١) فوق ذلك، وهو مجاوزة الأخلاق كلِّها بأن يغيب عن الخلق والتّخلُّق (٢). وهذه الغَيبة لها مرتبتان عندهم:

إحداهما: الاشتغال بالله عن كلِّ ما سواه.

والثّانية: الفناء في الفردانيّة التي يُسمُّونها حضرةَ الجمع، وهي أعلى الغايات عندهم. وهي مَوهبيّةٌ لا كسبيّةٌ، لكنّ العبد إذا تعرَّضَ وصدق في الطّلب رُجِي له الظَّفرُ بمطلوبه. والله أعلم.

فصل

ومدار حسن الخلق مع الخلق ومع الحق: على حرفين، ذكرهما الشيخ عبد القادر الكيلانيُّ - رحمه الله - فقال: كُنْ مع الحقِّ بلا خَلْقٍ، ومع الخَلْق بلا نفسٍ (٣).

فتأمّلْ، ما أجلَّ هاتين الكلمتين مع اختصارهما، وما أجمعَهما لقواعد السُّلوك ولكلِّ خلقٍ جميلٍ! وفساد الخُلق إنّما ينشأ من توسُّطِ الخَلق بينك وبين الله، وتوسُّطِ النّفس بينك وبين خلقه. فمتى عزلتَ الخَلق حالَ كونك


(١) «ما» ليست في ش، د.
(٢) ل: «التخليق».
(٣) ذكره شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (٨/ ٣٣٨)، والمؤلف في «الرسالة التبوكية» (ص ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>