والشيخ - رحمه الله - ممَّن يبالغ في إنكار الأسباب، ولا يرى وراء الفناء في توحيد الربوبية غايةً، وكلامه في الدرجة الثالثة في معظم الأبواب يرجع إلى هذين الأصلين. وقد عرفتَ ما فيهما، وأنَّ الصواب خلافهما، وهو إثبات الأسباب والقوى، وأنَّ الفناء في توحيد الربوبية ليس هو غايةَ الطريق، بل فوقه ما هو أجلُّ منه وأعلى وأشرف.
ومن هاتين القاعدتين عرَضَ في كتابه من الأمور التي أُنكرِت عليه ما عرض.
قال (١): (الدرجة الثالثة: إشفاقٌ يصون سعيه عن العجب، ويكفُّ صاحبه عن مخاصمة الخلق، ويحمل المريد على حفظ الجدِّ).
الأوّل يتعلَّق بالعمل، والثاني بالخُلُق، والثالث بالإرادة، وكلٌّ منها له ما يفسده. فالعجب يفسد العملَ كما يفسده الرِّياء، فيشفق على سعيه من هذا المفسد شفقةً تصونه عنه. والمخاصمة للخلق مُفسدةٌ للخلق، فيشفق على خلقه من هذا المُفسد شفقةً تصونه عنه. والإرادة يفسدها عدمُ الجدِّ، وهو الهزل واللعب، فيشفق على إرادته ممَّا يفسدها.
فإذا صحَّ له عمله وخُلُقه وإرادته استقام سلوكه وقلبه وحاله، والله المستعان.