للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البتَّة، لا في الشُّهود ولا في العِيان، بل يتحقَّق بشهودِ (١) وحدة الوجود، فيعلم حينئذٍ أنَّ وجود جميع الموجودات هو عين وجود الحقِّ، فما ثمَّ وجودان، بل الموجود واحد. وحقيقة الفناء عندهم أن يفنى عمَّا لا حقيقة له بل هو وهمٌ وخيال، فيفنى عمَّا هو فانٍ في نفسه لا وجودَ له، فيشهد فناء وجود كلِّ ما سواه في وجوده، وهذا تعبيرٌ محضٌ، وإلَّا في الحقيقة ليس عند القوم «سوى» ولا «غير»، وإنَّما السِّوى والغير في الوهم والخيال. فحول هذا الفناء يدندنون وعليه يحومون.

وأمَّا أهلُ التوحيد والاستقامة، فيشيرون بالفناء إلى أمرين أحدُهما أرفع من الآخر:

الأمر الأوَّل: في (٢) شهود الرُّبوبية والقَيُّومية، فيشهد تفرُّد الربِّ تعالى بالقَيُّوميَّة والتدبير، والخلق والرِّزق، والعطاء والمنع، والضُّرِّ والنّفع، وأنَّ جميع الموجودات منفعلةٌ لا فاعلةٌ، وما له منها فعلٌ فهو منفعلٌ في فعله، محلٌّ محضٌ لجريان أحكام الربوبيَّة عليه، لا يملك شيءٌ (٣) منها لنفسه ولا لغيره ضرًّا ولا نفعًا.

فإذا تحقَّق بهذا المشهد خمدت منه الخواطر والإرادات، نظرًا إلى القيُّوم الذي بيده تدبير الأمور، وشخوصًا منه إلى مشيئته وحكمه، فهو ناظرٌ منه به إليه، فانٍ بشهوده عن شهود ما سواه. ومع هذا فهو ساعٍ في طلب الوصول إليه، قائمًا بالواجبات والنوافل.


(١) ش، د: «يتحقق شهودُ». ت: «يحقق شهودَ». ولعل المثبت من ر أقرب.
(٢) ت: «هو». ر: «الفناء في».
(٣) ر، المطبوعات: «شيئًا»، خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>