للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو وحيه الذي تُتلقَّى أحكام النوازل والأحوال والواردات منه، وتُعرَض عليه وتوزن به، فما زكَّاه منها وقبله ورجَّحه وصحَّحه فهو المقبول، وما أبطله وردَّه فهو الباطل المردود، ومن لم يَبْنِ على هذا الأصل علمَه وسلوكه (١) فليس على شيءٍ وإنْ وإنْ (٢)، وإنَّما معه خَدْع وغرور {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ يَحْسِبُهُ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ} [النور: ٣٩].

القاعدة الثالثة: إذا أشكل على الناظر أو السالك حكمُ شيءٍ هل هو الإباحة أو التحريم، فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملًا على مفسدةٍ راجحةٍ ظاهرةٍ فإنَّه يستحيل على الشارع الأمرُ به أو إباحته، بل العلم بتحريمه من شرعه قطعيٌّ، ولاسيَّما إذا كان طريقًا مفضيًا إلى ما يبغضه (٣) الله ورسوله، مُوصِلًا إليه عن قربٍ، وهو رقيةٌ له ورائدٌ وبريد، فهذا لا يشكُّ في تحريمه أولو البصائر، فكيف يُظنُّ بالحكيم الخبير أن يحرِّم مثل رأس الإبرة من المسكر لأنَّه يسوق (٤) النّفس إلى المسكر (٥) الذي يسوقها إلى المحرَّمات، ثمَّ يبيح ما هو أعظم سوقًا للنُّفوس إلى المحرَّم بكثيرٍ؟! فإنَّ الغناء كما قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - هو رقية الزِّنا (٦)، وقد شاهد الناس أنَّه ما


(١) في ع زيادة: «وعمله».
(٢) تكرَّر في ع ثلاث مرَّات، مع علامة التصحيح على الأخيرين.
(٣) ع: «يُغضب».
(٤) في الأصل، م: «يشوِّق»، والسياق يدل على أنه تصحيف.
(٥) م، ش، ع: «السكر».
(٦) لم أجده عن ابن مسعود. وإنما روي من قول الفُضيل بن عياض - رحمه الله - كما في «ذم الملاهي» لابن أبي الدنيا (٥٤) ومن طريقه عند البيهقي في «شعب الإيمان» (٤٧٥٥). وإلاه نسبه المؤلف في «إغاثة اللهفان» (١/ ٤٣٣ - ٤٣٤) ثم نقله عن «ذم الملاهي» بإسناده.

<<  <  ج: ص:  >  >>