للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا السُّرور يُذهِب ثلاثةَ أحزانٍ.

الحزن الأوّل: حزنٌ أورثَه خوفُ الانقطاع، وهذا حزن المتخلِّفين عن رَكْب الجنة (١)، ووفد المحبّة، فأهل الانقطاع هم المتخلِّفون عن صحبة هذا الرّكب وهذا الوفد، وهم الذين {كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦] فثبّطَ عزائمَهم وهِمَمَهم أن تسير إليه وإلى جنّته، وأمَر قلوبَهم أمرًا كونيًّا قدريًّا أن تقعد مع القاعدين المتخلِّفين (٢).

فلو عاينتَ (٣) قلوبَهم حين أُمِرَتْ بالقعود عن مرافقة الوفد، وقد غمرَتْها الهمومُ، وعقدَتْ عليها سحائبُ البلاء، وأُحْضِرت كلّ حزنٍ وغمٍّ، وأمواجُ القلق والحسرات تتقاذف بها، وقد غابت عنها المسرّات، ونابت (٤) عنها الأحزان= لعلمتَ أنّ الأبرار في هذه الدّار في نعيمٍ، وأنّ المتخلِّفين عن رُفقتهم في جحيمٍ.

وهذا الحزن يَذهَبُ به ذوقُ طعم الإيمان، فيذوق التصديق (٥) طعمَ الوعد الذي وُعِد به على لسان الرّسول، فلا يعقله (٦) ظنٌّ، ولا يقطعه أملٌ،


(١) ت، ر، ط: «ركب المحبين».
(٢) بعده في ت، ط زيادة: «عن السّعي إلى محابِّه».
(٣) غير محررة في د.
(٤) د: «بانت».
(٥) ت، ر، ط: «فيذيق».ش، ت، ر: «الصديق»، وقد تقدم في المنازل في منزلة الذوق ص ٧٩ نحو هذه العبارة، فاستأنسنا بها في القراءة.
(٦) ش، د: «يغفله»، تصحيف. وقد سبق على الصواب في كلام الهروي في منزلة الذوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>