للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقامًا لازمًا له لا يُفارقه، بل هذا حكمه في هذه الحال. والله أعلم.

فصل

قوله: (ويُنبِت السُّرورَ، إلّا ما يَشوبُه من حذر المكر).

يعني: أنّ هذا اللّحظ من العبد يُنبِت له السُّرور، إذا علم أنّ فضل ربِّه قد سبق له بذلك قبل أن يخلقه، مع علمه به وبأحواله وتقصيره على التّفصيل، ولم يمنعه علمُه به أن يقدِّر له ذلك الفضل والإحسان. وهو (١) أعلمُ به إذ أنشأه من الأرض، وإذ هو جنينٌ في بطن أمِّه، ومع ذلك فقدَّر له من الفضل والجود ما قدَّره بدون سببٍ منه، بل مع علمه بأنّه يأتي من الأسباب بما يقتضي قطْعَ ذلك ومنعه عنه (٢).

فإذا شاهد العبد ذلك اشتدَّ سرورُه بربِّه، وبمواقع فضله وإحسانه. وهذا فرحٌ محمودٌ غير مذمومٍ. قال تعالى: {(٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا} [يونس: ٥٨]. ففضله: الإسلام والإيمان، ورحمته: العلم والقرآن. وهو يحبُّ من عبده أن يفرح بذلك ويُسَرَّ به، بل يحبُّ من عبده أن يفرحَ بالحسنة إذا عمِلَها ويُسَرَّ بها. وهو في الحقيقة فرحٌ بفضل الله، حيث وفَّقه لها وأعانه عليها ويسَّرها له. ففي الحقيقة إنّما يفرح بفضل الله ورحمته.

ومن أعظم مقامات الإيمان: الفرحُ بالله والسُّرور به، فيفرح به إذ هو عبده ومحبُّه، ويفرح به سبحانه ربًّا وإلهًا ومُنعِمًا ومربِّيًا، أشدَّ من فرح العبد


(١) ت، ر: «فهو».
(٢) ت، ر: «منه».

<<  <  ج: ص:  >  >>