للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه (١)، كما أنّ من أسباب الولد: الجماع، ومن أسباب الزّرع: البذر، ونحو ذلك. وهذا القسم الثّالث هو الحقُّ.

ويقال للطّائفة الثّانية: لا موجبَ إلّا (٢) مشيئة الله، وليس هاهنا سببٌ مستقلٌّ غيرها. فهو الذي جعل السّببَ سببًا، وهو الذي رَتَّبَ عليه حصولَ المسبَّب. ولو شاء لأوجدَه بغير ذلك السّبب، وإذا شاء منعَ سببيّةَ السّبب وقطعَه عن (٣) اقتضاءِ أثره، وإذا شاء أقام له مانعًا يمنعه عن اقتضاء أثره مع بقاء قوّته فيه، وإن شاء رتّب عليه ضدَّ مقتضاه وموجبه. فالأسباب طَوع مشيئته وقدرته، وتحت تصريفه (٤) وتدبيره، يقلِّبها كيف يشاء. فهذا أحد المعنيين في كلامه.

والمعنى الثّاني: أنّ من لاحظَ بعين قلبه ما سبق له من ربِّه من جزيل الفضل والإحسان والبرِّ، من غير معاوضةٍ ولا سببٍ من العبد أصلًا، فإنّه سبقتْ له تلك السّابقة وهو في العدم لم يكن شيئًا البتّةَ= شغلتْه تلك الملاحظة بطلب الله ومحبّته وإرادته عن الطّلب منه، وقطعتْ عليه طريقَ السُّؤال، اشتغالًا بذكره وشكرِه ومطالعةِ منَّتِه عن مسألته. لا لأنّ (٥) مسألته والطّلب منه نقصٌ، بل لأنّه في هذه الحال لا يتّسع للأمرين، بل استغراقُه في شهود المنّة وسبْقِ الفضل قطعَ عليه طريقَ الطّلب والسُّؤال. وهذا لا يكون


(١) ر: «عليهما».
(٢) ش: «منة».
(٣) ر: «وقطع عنه».
(٤) ر: «تصرفه».
(٥) ت: «لا أن».

<<  <  ج: ص:  >  >>