للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

قال صاحب «المنازل» (١): (باب الفناء. قال الله تعالى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [الرحمن: ٢٦ - ٢٧]).

الفناء المذكور في الآية ليس هو الفناءَ الذي تشير إليه الطائفة، فإنَّ الفناء في الآية: الهلاك والعدم، أخبر سبحانه أنَّ كلَّ من على الأرض يعدم ويموت، ويبقى وجهه سبحانه. وهذا مثل قوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠]، ومثلِ قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥]، قال الكلبيُّ ومقاتل: لمَّا نزلت هذه الآية قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فلمَّا قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] أيقنت الملائكة بالهلاك.

قال الشعبيُّ: إذا قرأت {(٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} [الرحمن: ٢٦] فلا تسكت حتى تقرأ {(٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ} [الرحمن: ٢٧] (٢). وهذا من فقهه في القرآن وكمال علمه، إذ المقصود الإخبار بفناء مَن عليها مع بقاء وجهه سبحانه، فإنَّ الآية سيقت لتمدُّحه بالبقاء وحده، ومجرَّدُ فناء الخليقة ليس فيه مدحٌ (٣)، إنَّما المدح في بقائه بعد فناء خلقه، فهي نظير قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨].


(١) (ص ١٠٤).
(٢) الأقوال السابقة منقولة من «البسيط» للواحدي (٢١/ ١٥٨). ومقاتل هو ابن سليمان، لا ابن حيَّان كما توهَّمه بعضهم، وقوله في «تفسيره» (٣/ ٣٠٥) بنحوه. وقول الشعبي أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» كما في «الدر المنثور» (١٤/ ١١٨).
(٣) ر: «مدحه».

<<  <  ج: ص:  >  >>