للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعبوديّةُ تجمَعُ كمالَ الحبِّ (١) في كمالِ الذُّلِّ وكمالِ الانقياد لمراضي المحبوب وأوامره، فهي الغاية التي ليس فوقها غايةٌ. وإذا لم يكن إلى القيام بحقيقتها ــ كما يجب ــ سبيلٌ، فالتَّوبةُ هي المعوَّل والآخيَّة. وقد عرفتَ بهذا وبغيره أنَّ الحاجةَ إليها في النِّهاية أشدُّ من الحاجة إليها في البداية، ولولا تنسُّمُ رَوْحِها لَحالَ اليأسُ بين ابن الماء والطِّين وبين الوصول إلى ربِّ العالمين. هذا لو قام بما ينبغي عليه أن يقوم به من حقوق ربِّه وسيِّده (٢)، فكيف والغفلةُ والتّقصيرُ والتّفريطُ والتّهاونُ وإيثارُ حظوظه في كثيرٍ من الأوقات على حقوق ربِّه، لا يكاد يتخلَّصُ منه، ولاسيَّما السّالكُ على درب الفناء والجمع، فإنَّ ربَّه يطالبه بالعبوديّة، ونفسُه تطالبه بالجمع والفناء؛ فلو حقَّقَ النّظرَ مع نفسه وحاسبها حسابًا صحيحًا لتبيَّن له أنَّ حظَّه يريد، ولذَّتَه يطلب! نعم، كلُّ أحدٍ يطلب ذلك، لكنَّ الشّأنَ في الفرق بين من صار حظُّه نفسَ (٣) مرضاةِ الله ومحابِّه، أحبَّت ذلك نفسُه أو كرهته، وبين من حظُّه ما يريده من ربِّه. فالأوّل حظُّه: مرادُ ربِّه الدِّينيُّ الشّرعيُّ منه، وهذا حظُّه: مرادُه من ربِّه. وبالله التّوفيق.

فإن قيل (٤): هذا البابُ مسلَّمٌ لأهل الذّوق، وأنتم تتكلَّمون بلسان العلم لا بلسان الذّوق، والذّائقُ واجدٌ، والواجدُ لا يمكنه إنكارُ موجوده، فلا يرجع إلى صاحب العلم، بل يدعوه إلى ذوق ما ذاقه، ويقول:


(١) ش، د: «المحب»، تحريف.
(٢) ر: «لسيِّده من حقوقه»، وكذا في طبعة الفقي.
(٣) كان في ش، د: «حظ نفس»، فغيِّر إلى «حظ نفسه». ولم ترد كلمة «نفس» في ر.
(٤) ت: «قلت».

<<  <  ج: ص:  >  >>