للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثّاني: ذوق حلاوة المناجاة. فإنّه متى صَفَا له حالُه من الشّوائب خلصَتْ له حلاوتُه من مرارة الأكدار، فذاق تلك الحلاوة في حال مناجاته. فلو كان الحال مَشُوبًا مكدَّرًا لم يجد حلاوة المناجاة. والحال المستندة إلى واردٍ يُذاق به حلاوةُ المناجاة: هو من حضرة الأسماء والصِّفات، بحسب ما يصادف القلب من ظهورها وكشف معانيها.

فمن ظهر له اسم «الودود» مثلًا، وكُشِف له عن معنى هذا الاسم، ولطفه وتعلُّقه بظاهر العبد وباطنه= كان الحال الحاصل من حضرة هذا الاسم مناسبًا له. فكان حال اشتغال حبٍّ وشوقٍ ولذّة مناجاةٍ، لا أحلى منها ولا أطيبَ، بحسب استغراقه في شهود معنى هذا الاسم وحظِّه من أثره.

كأنَّ الودود إن كان بمعنى المودود كما قال البخاريُّ في «صحيحه» (١): الودود الحبيب، واستغرقَ العبد في مطالعة صفات الكمال التي تدعو العباد إلى حبِّ الموصوف بها= أثمرَ له صفاءُ علمه بها وصفاءُ حاله في تعبُّده بمقتضاها ما ذكره الشّيخ من هذه الأمور الثّلاثة وغيرها.

وكذلك إن كان بمعنى الوادِّ ــ وهو المحبُّ ــ أثمر له مطالعةُ ذلك حالًا يُناسبه، فإنّه إذا شاهد بقلبه غنيًّا كريمًا جوادًا، عزيزًا قادرًا، كلُّ أحدٍ محتاجٌ إليه بالذّات، وهو غنيٌّ بالذّات عن كلِّ ما سواه، وهو مع ذلك يَوَدُّ عباده ويحبُّهم= كان له من هذا الشُّهود حالٌ صافيةٌ خالصةٌ من الشّوائب.

وكذلك سائر الأسماء والصِّفات. فصفاء الحال بحسب صفاء المعرفة بها وخلوصِها من دم التّعطيل وفَرْثِ التّمثيل، فتخرج المعرفةُ من بين ذلك


(١) (١٣/ ٤٠٣ مع «الفتح»).

<<  <  ج: ص:  >  >>