للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعنى هذا أن التوكُّل اعتمادٌ على الوكيل، وقد يعتمد الموكِّل (١) على وكيله مع نوع اقتراحٍ عليه وإرادةٍ وشائبةِ منازعةٍ، فإذا سلَّم إليه زال عنه ذلك، ورضي بما يفعله وكيله. وحال المفوِّض فوق هذا، فإنَّه طالبٌ مريدٌ ممَّن فوَّض إليه ملتمسٌ منه أن يتولَّى أموره، فهو رضًا واختيار وتسليم واعتماد؛ فالتوكُّل يندرج في التسليم، وهو والتسليم يندرجان في التفويض.

فصل

وحقيقة الأمر: أنَّ التوكُّل حالٌ مركَّبةٌ من مجموع أمورٍ، لا تتمُّ حقيقة التوكُّل إلا بها. وكلٌّ أشار إلى واحدٍ من هذه الأمور أو اثنين أو أكثر.

فأوَّل ذلك: معرفةٌ بالربِّ وصفاته من قدرته، وكفايته، وقيُّوميَّته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته. وهذه المعرفة أوَّل درجةٍ يضع بها العبد قدمه في مقام التوكُّل.

قال شيخنا - رضي الله عنه -: ولذلك لا يصحُّ التوكُّل ولا يُتصوَّر من فيلسوف، ولا من القدريَّة النُّفاة القائلين بأنه يكون في ملكه ما لا يشاؤه، ولا يستقيم أيضًا من الجهميَّة النُّفاة لصفات الربِّ، ولا يستقيم التوكُّل إلّا من أهل الإثبات (٢). فأيُّ توكُّلٍ لمن يعتقد أنَّ الله لا يعلم جزويَّات العالم (٣)، ولا هو فاعل باختياره، ولا له إرادة ولا مشيئة، ولا يقوم به صفة؟! فكلُّ من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف كان توكُّله أصحَّ وأقوى.


(١) الأصل: «الوكيل». ل: «المتوكل». ع: «الرجل». وسقط من ش. والمثبت من ج، ن.
(٢) لعله هنا ينتهي كلام شيخ الإسلام، وما بعده من كلام المؤلف.
(٣) في ع زيادة: «سفليَّةً وعلوَّيةً».

<<  <  ج: ص:  >  >>