للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإزراؤهم على أنفسهم أعظمَ، وما يتوب منه هؤلاء قد يكون من كبار حسنات غيرهم.

وبالجملة، فتوبةُ المحبِّين (١) العارفين بربِّهم وبحقِّه هي التَّوبة، وسواهم محجوبٌ عنها.

وفوق هذه توبةٌ أخرى، الأولى بنا الإضرابُ عنها صفحًا.

فصل

قال صاحب "المنازل" - رحمه الله - (٢): (ولا يتمُّ مقامُ التَّوبة إلّا بالانتهاء إلى التَّوبة ممّا دون الحقِّ، ثمّ رؤيةِ علَّة التَّوبة، ثمّ التَّوبةِ من رؤية تلك العلَّة).

التّوبةُ ممّا دون الله: أن يخرج العبدُ بقلبه عن إرادة ما سوى الله، فيعبدَه وحده لا شريك له بأمره وباستعانته، فيكونَ كلُّه له وبه. وهذا أمرٌ لا يصحُّ إلّا لمن استولى عليه سلطانُ المحبَّة، فامتلأ قلبُه من الله محبّةً له وإجلالًا وتعظيمًا، وذلًّا وخضوعًا وانكسارًا بين يديه، وافتقارًا إليه.

فإذا صحّ له ذلك بقيت عليه عندهم بقيّةٌ أخرى، هي علَّةٌ في توبته، وهي شعورُه بها، ورؤيتُه لها، وعدمُ فنائه عنها. وذلك بالنِّسبة إلى مقامه وحاله ذنبٌ، فيتوب من هذه الرُّؤية.

فهاهنا ثلاثة أمورٍ: توبتُه ممّا سوى الله، ورؤيتُه هذه التّوبةَ وهي علَّتها، وتوبتُه من رؤية تلك الرُّؤية. وهذا عند القوم الغايةُ التي لا شيء بعدها،


(١) في ع بعده زيادة: "الصادقين".
(٢) "منازل السائرين" (ص ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>