للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

فأمَّا مشهد الحيوانية وقضاء الشهوة، فمشهد الجهَّال الذين لا فرق بينهم وبين سائر الحيوان إلَّا في اعتدال القامة ونطق اللِّسان، ليس همُّهم (١) إلّا مجرَّد نيلِ الشَّهوة بأيِّ طريقٍ أفضت إليها، فهؤلاء نفوسهم نفوسٌ حيوانيَّةٌ لم تترقَّ عنها إلى درجة الإنسانيَّة فضلًا عن درجة الملائكة (٢)، فهؤلاء حالهم أخسُّ من أن يُذكَر، وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها.

فمنهم مَن نفسه كلبيَّة: لو صادف جيفةً تُشبع ألفَ كلبٍ لوقع عليها وحَماها من سائر الكلاب ونبح كلَّ كلبٍ (٣) يدنو منها، فلا تقربها الكلابُ إلَّا على كُرهٍ منه وغلبةٍ، ولا يسمح لكلبٍ بشيءٍ منها؛ وهمُّه شبع بطنه من أي طعامٍ اتَّفق: ميتةٍ أو ذكيٍّ (٤)، خبيثٍ أو طيِّبٍ، ولا يستحيي من قبيحٍ؛ إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، إن أطعمتَه بصبص بذَنَبه ودار حولك، وإن منعته هرَّك ونبحك.

ومنهم من نفسه حماريَّة: لم يُخلَق إلَّا للكدِّ والعلف، كلّما زيد في (٥) علفه زيد في كدِّه، أبكم الحيوان وأقلُّه بصيرةً، ولهذا مثَّل الله سبحانه به من


(١) ج، ن: «همَّتهم». ش، ع: «هممهم».
(٢) ج: «الملكيَّة».
(٣) كذا في الأصل، ل، ع. وفي سائر النسخ: «على كلِّ كلب». والمثبت موافق لأسلوب المؤلف حيث قال فيما يأتي: «نبحك».
(٤) ع: «مذكًّى».
(٥) ساقطة من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>