للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ويتبيَّن هذا بمسألةٍ شريفةٍ، وهي أنَّه هل المطيعُ الذي لم يعصِ خيرٌ من العاصي الذي تاب إلى الله توبةً نصوحًا، أو هذا التّائبُ أفضَلُ منه؟

اختُلِفَ في ذلك.

فطائفةٌ رجَّحَت مَن لم يعصِ على من عصى وتاب (١)، واحتجُّوا بوجوهٍ:

أحدها: أنَّ أكملَ الخلق وأفضلَهم أطوَعُهم لله تعالى، وهذا الذي لم يعصِ أطوَعُ، فيكون أفضل.

الثّاني: أنَّ في زمن اشتغال العاصي بمعصيته يسبقه المطيعُ عدَّةَ مراحل إلى فوق، فتكون درجتُه أعلى من درجته. وغايته أنّه إذا تاب استقبل سيَره ليلحقَه، وذلك في سيرٍ آخر، فأنَّى له بلَحاقه! فهما بمنزلة رجلين مشتركين في الكسب، كلَّما كسَب أحدُهما شيئًا كسَب الآخرُ مثلَه، فعمَد أحدُهما إلى كسبه فأضاعه، وأمسَكَ عن الكسبِ المستأنَفِ؛ والآخَرُ يجِدُّ (٢) في الكسب، فإذا أدركته حميَّةُ المنافسة، وعاد إلى الكسب، وجد صاحبَه قد كسَب في تلك المدَّة، شيئًا كثيرًا، فلا يكسب شيئًا إلّا كسب صاحبه نظيرَه (٣)، فأنّى له بمساواته!

الثّالث: أنَّ غايةَ التَّوبةِ أن تمحو عن هذا سيِّئاتِه، ويصير بمنزلة من لم


(١) في ع زيادة: "توبةً نصوحًا".
(٢) ع: "مُجِدُّ".
(٣) ع: "مثله".

<<  <  ج: ص:  >  >>