للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتّكييف عن معانيها رابعًا. فلا تصحُّ له مطالعة الصِّفات الباعثة على المحبّة الصّحيحة إلّا بهذه الأمور الأربعة. وكلّما أكثرَ قلبُه من مطالعتها ومعرفةِ معانيها ازدادت محبَّتُه للموصوف بها. ولذلك كان (١) الجهميّة قُطَّاعَ طريق المحبّة، وبين المحبِّين وبينهم السّيف الأحمر.

وقوله: (والنّظر إلى الآيات)، أي نظر الفكر والاعتبار إلى آياته المشهودة وفي آياته المسموعة، وكلٌّ منهما داعٍ قويٌّ إلى محبّته، لأنّها أدلّةٌ على صفات كماله، ونعوت جلاله، وتوحيد ربوبيّته وإلهيّته، وعلى حكمته وبرِّه، وإحسانه ولطفه، وجوده وكرمه، وسعة رحمته، وسبوغ نِعَمه، فإدامةُ النّظر فيها داعٍ لا مَحالَة إلى محبّته.

وكذلك الارتياض بالمقامات، فإنّ من كانت له رياضةٌ وملكةٌ في مقامات الإسلام والإيمان والإحسان كانت محبّته أقوى، لأنّ محبّة الله له أتمُّ. وإذا أحبّ الله عبدًا أنشأَ في قلبه محبَّتَه.

فصل

قال (٢): (الدّرجة الثّالثة: محبّةٌ خاطفةٌ تقطع العبارة وتدفع الإشارة، ولا تنتهي بالنُّعوت).

يعني: أنّها تَخطِف قلوبَ المحبِّين، لِما يبدو لهم من جمال محبوبهم. ويشير الشّيخ - رحمه الله - بذلك إلى الفناء في المحبّة والشُّهود، وإنّ العبارة تنقطع دون حقيقة تلك المحبّة، ولا تبلُغُها، ولا تَصِلُ إليها الإشارة، فإنّها فوق


(١) ت: «كانت».
(٢) «المنازل» (ص ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>