ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الفُتوّة، هذه المنزلة حقيقتها هي منزلة الإحسان إلى النّاس، وكفُّ الأذى عنهم، واحتمال أذاهم. فهي استعمال حُسن الخلق معهم، فهي في الحقيقة نتيجة حسن الخلق واستعماله.
والفرق بينها وبين المروءة: أنّ المروءة أعمُّ منها. فالفتوّة نوعٌ من أنواع المروءة، فإنّ المروءة استعمال ما يُجمِّل ويَزِين ممّا هو مختصٌّ بالعبد أو متعدٍّ إلى غيره، وتركُ ما يُدنِّس ويَشِين ممّا هو مختصٌّ أيضًا به أو متعلِّقٌ بغيره. والفتوّة إنّما هي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخَلْق.
فهي ثلاثة منازل: منزلة التّخلُّق وحسن الخُلق، ومنزلة الفتوّة، ومنزلة المروءة. وقد تقدّمت منزلة الخُلق.
وهذه منزلةٌ شريفةٌ، لم تُعبِّر عنها الشّريعة باسم الفتوّة، بل عبّرت عنها باسم «مكارم الأخلاق»، كما في حديث يوسف بن محمّد بن المنكدر عن أبيه عن جابرٍ - رضي الله عنه - عن النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال»(١).
أصل الفتوّة من الفتى، وهو الشّابُّ الحديث السِّنِّ. قال تعالى عن أهل
(١) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٦٨٩٥)، والبيهقي في «الشعب» (٧٦١٠) بهذا الإسناد. وفيه عمر بن إبراهيم، كذّبه الدارقطني وضعَّفه الخطيب. وانظر: «مجمع الزوائد» (٨/ ١٨٨) وتعليق المحقق على «الشعب».