للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر إلى وحدة الحُكم يزيل عنه ثبوتَ المعصية.

وهذا عند القوم من الأسرار التي لا يستجيزون كشفَها إلّا لخواصِّهم، وأهلِ الوصول منهم. لكنّ صاحب "المنازل" بريءٌ من هؤلاء وطريقتهم، وهو مكفِّرٌ لهم، بل مخرجٌ لهم عن جملة الأديان. ولكن ذكرنا ذلك لأنّهم يحملون كلامَه عليه، ويظنُّونه منهم.

فاعلم أنَّ هذا مقامٌ عظيمٌ زلَّت فيه أقدامُ طائفتين من النّاس: طائفةٍ من أهل الكلام والنَّظر، وطائفةٍ من أهل السُّلوك والإرادة. فنفى لأجله كثيرٌ من النُّظَّار التَّحسينَ والتَّقبيحَ العقليَّين، وجعلوا الأفعالَ كلَّها سواءً في نفس الأمر، وأنّها غيرُ منقسمةٍ في ذواتها إلى حسَنٍ وقبيحٍ، ولا يميَّز القبيحُ بصفةٍ اقتضت قبحَه بحيث يكون هو منشأ (١) القبح، وكذلك الحسَن. فليس الفعلُ عندهم منشأَ حسنٍ ولا قبحٍ، ولا مصلحةٍ ولا مفسدةٍ. ولا فرقَ بين السُّجود للشّيطان والسُّجود للرَّحمن في نفس الأمر، ولا بين الصِّدق والكذب، ولا بين السِّفاح والنِّكاح، إلّا أنَّ الشَّارعَ حرَّم هذا وأوجب هذا. فمعنى حسنه كونُه مأمورًا به، لا أنّه منشأ مصلحةٍ. ومعنى قبحه كونُه منهيًّا عنه، لا أنّه منشأ مفسدةٍ، ولا فيه صفةٌ اقتضت قبحَه (٢).


(١) ج: "بها". وفي ق، ل، م: "هنا"، والصواب ما أثبت من ش، ع، وكذا في هامش م بعلامة صح. وفي هامش ل: "لعله منشأ".
(٢) بعده في الأصل: "ومعنى حسنه" كذا! فكتبت تكملته في هامشه على غرار العبارة السابقة: "أن الشارع أمر به لا أنه منشأ مصلحة ولا فيه صفة اقتضت حسنه". وكان في ل: "فمعنى حسنه كونه مأمورًا به لا أنه منشأ مصلحة وكونه منهيًّا عنه"، فضرب عليها من "حسنه" إلى "مصلحة و"، وكتب في الهامش: "قبحه صح" ليكون السياق: فمعنى قبحه كونه منهيًّا إلخ مع التكملة المذكورة في هامش الأصل وهي واردة في متن ل، ع. وما أثبت موافق لسياق ج، ومن الغريب أنَّ النص لم يحرَّر عند القراءة على المصنِّف.

<<  <  ج: ص:  >  >>