للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

وقد يَعْرِض للسّالك دهشةٌ في حال سلوكه، شبيهةٌ بالبَهْتَة التي تحصل للعبد (١) عند مفاجأة رؤية محبوبه، وليست من منازل السُّلوك، خلافًا لأبي إسماعيل الأنصاريِّ حيث جعلها من المنازل، بل من غاياتها. فإنّ هذه الحالة ليست مذكورةً في القرآن ولا في السُّنّة ولا في كلام السّالكين، ولا عَدَّها أحدٌ من المتقدِّمين من المنازل والمقامات، ولهذا لم يجد ما يستشهد به عليها سوى حال النِّسوة مع يوسف عليه السّلام، لمّا رأينَه أكبرنَه وقطَّعن أيديهنّ. فصدَّر الباب بقوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: ٣١]، أي أعظمنه.

فإن كان مقصوده ما حصل لهنّ من إعظامه وإجلاله، فذلك منزلة التّعظيم. وإن كان مراده ما ترتَّب على رؤيته من غَيبتهنّ عن أنفسهنّ وعن أيديهنّ وما فيها حتّى قطَّعنها= فتلك منزلة الفناء. وإن كان مقصوده الدَّهْشة والبَهْتة التي حصلتْ لهنّ عند مفاجأته ــ وهو الذي قصَدَه ــ فذلك أمرٌ عارضٌ عند مفاجأة ما يغلب على صبر الإنسان وعقله، ولا ريبَ أنّ ذلك عارضٌ من عوارض الطّريق (٢) ليس بمقامٍ للسّالكين، ولا منزلٍ مطلوبٍ لهم. فعوارضُ الطّريق شيءٌ، ومنازلُها ومقاماتُها شيءٌ.

فلهذا قال في تعريفه الدّهش (٣): (بَهْتةٌ تأخذ العبدَ عند مفاجأة (٤) ما يغلب على عقلِه أو صبرِه أو علمِه).


(١) ت: «للمحب».
(٢) «الطريق» ليست في ش، د.
(٣) «المنازل» (ص ٧٧).
(٤) في «المنازل»: «إذ فجأه».

<<  <  ج: ص:  >  >>