للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

وقد يَعرِض للسّالك عند ورود بعض المعاني والواردات العجيبة على قلبه فرطُ (١) تعجُّبٍ واستحسانٍ واستلذاذٍ، يُزِيل عنه تماسُكَه، فيورِثُه ذلك الهيمان. وليس ذلك من مقامات السَّير، ولا منازل الطّريق المقصودة بالنُّزول فيها للمسافرين، خلافًا لصاحب «المنازل»، حيث عدَّ ذلك من أعلى المنازل وغاياتها، وعبَّر عنه بمنزلة الهيمان. ولهذا ليس له ذِكرٌ في القرآن، ولا في السُّنّة، ولا في لسان سلف القوم.

وقد تكلّف له صاحب «المنازل» - رحمه الله - الاستشهادَ بقوله تعالى: {دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: ١٤٣]. وما أبعدَ الآيةَ من استشهاده! وكأنّه ظنّ أنّه ذهب عن تماسكه، لِما وردَ عليه في حالة الخطاب والتّكليم الإلهيِّ، فأورثه ذلك هَيَمانًا صَعِقَ منه. وليس كما ظنَّه، وإنّما صعِقَ موسى عند تجلِّي الرّبِّ تعالى للجبل واضمحلالِه وتَدَكْدُكِه من تجلِّي الرّبِّ تعالى.

فالاستشهاد بالآية في منزلة (٢) الفناء التي تضمحلُّ فيها الرُّسوم أنسبُ وأظهرُ، لأنّ تدكدُكَ الجبلِ هو اضمحلال رسمه عند ورود نور التّجلِّي عليه. والصَّعَق فناءٌ في هذه الحال لهذا الوارد المُفْنِي لبشريّةِ موسى عليه السّلام.

وقد حدَّه بأنّه (الذّهاب عن التّماسك تعجُّبًا أو حيرةً) (٣). يعني: أنّ لا يقدرَ على إمساكِ نفسِه للوارد تعجُّبًا منه أو حيرةً.


(١) ش، د: «وفرط».
(٢) ش، د، ت: «منزل».
(٣) «المنازل» (ص ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>