للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شخوص البصيرة إلى مجرَّد مصدر المتفرِّقات كلِّها، كما سيأتي بيانه في بابه إن شاء الله تعالى، وركوبُ لُجَّة هذا الجمع هو فناؤه فيه.

قوله: (سالكًا سبيل البقاء)، يعني: أنَّ من فني فقد تأهَّل للبقاء بالحقِّ، وهذا البقاء هو بعد الفناء، فإنَّه إذا تحقَّق بالفناء رُفع له عَلَم الحقيقة، فشمَّر إليه سالكًا في طريق البقاء، وهي القيام بالأورادِ وحفظُ الواردات، فحينئذٍ يرجى له الوصول.

فصل

لم يرد في الكتاب، ولا في السنَّة، ولا في كلام الصحابة والتابعين مدحُ لفظ الفناء ولا ذمُّه، ولا استعملوا لفظه في هذا المعنى المشارِ إليه البتَّة، ولا ذكره مشايخ الطريق المتقدِّمون، ولا جعلوه غايةً ولا مقامًا، وقد كان القوم أحقَّ بكلِّ كمالٍ، وأسبقَ إلى كلِّ غايةٍ محمودةٍ.

ونحن لا ننكر هذا اللفظ مطلقًا (١)، ولا نقبله مطلقًا (٢)، بل لابدَّ فيه من التفصيل، وبيانِ صحيحه من معلوله، ووسيلته من غايته.

فنقول ــ وبالله التوفيق، وهو الفتَّاح ــ: حقيقة الفناء المشار إليه هو استهلاك الشَّيء في الوجود العلميِّ الذهنيِّ، وهاهنا تَقَسَّمَه أهلُ الاستقامة وأهل الزيغ والإلحاد، فزعم أهلُ الاتِّحاد ــ القائلين بوحدة الوجود ــ أنَّ الفناء الذي هو غاية هو الفناء عن وجود السِّوى، فلا يثبت للسِّوى وجودٌ


(١) «مطلقًا» ساقط من ش، د.
(٢) «ولا نقبله مطلقًا» ساقط من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>