للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دفٌّ ومزمارٌ ونغمةُ شاهدٍ (١) ... فمتى عهدتَ عبادةً بملاهي؟

ثَقُل الكتاب عليهم لمَّا رأوا ... تقييده بأوامرٍ ونواهي

وعليهم خفَّ الغنا لمَّا رأوا ... إطلاقه في اللهو دون مناهي

يا فرقةً ما ضرَّ دين محمَّدٍ ... وجنى عليه ومَلَّه إلَّا هي (٢)

وكيف يكون السَّماع الذي يسمعه العبدُ بطبعه وهواه أنفعَ له من الذي يسمعه بالله ولله وعن الله؟ فإن زعموا أنَّهم يسمعون هذا السماع الغنائيَّ الشعريَّ كذلك، فهذا غاية اللَّبس على القوم، فإنَّه إنَّما يُسمع بالله ولله وعن الله ما يحبُّه الله ويرضاه. ولهذا قلنا: إنَّه لا يتحرَّر الكلام في هذه المسألة إلَّا بعد معرفة صورة المسموع وحقيقته ومرتبته، فقد جعل الله لكلِّ شيءٍ قدرًا، ولن يجعل الله مَن شِرْبُه ونصيبه وذوقه ووجده من سماع الآيات البيِّنات كمن نصيبه وشربه وذوقه ووجده من سماع الغناء والأبيات.

ومن أعجب العجائب: استدلال من استدلَّ على أنَّ هذا السماع مِن طريق القوم أو أنَّه مباحٌ بكونه مستلَذًّا طيبًا تلذُّه النُّفوس وتستروح إليه، وأنَّ


(١) سبق بيان معنى الشاهد (ص ١٣٧).
(٢) ذكرها المؤلف أيضًا في «الكلام على مسألة السماع» (ص ١٩ - ٢٠). وأنشد البيتين الأوَّلين مع الأخير الطرطوشيُّ (ت ٥٢٠) في «تحريم السماع» (ص ٢٣٣) عن «بعضهم» مع اختلاف في لفظها. وذكر شيخ الإسلام الثلاثة الأولى مع الأخير في «جامع المسائل» (١/ ٩١) بلا نسبة. وذكر المؤلف في «إغاثة اللهفان» (١/ ٤٠٢ - ٤٠٣) الأربعة الأولى مع ثمانية أبياتٍ أخرى، وقد وردت هنا بعد هذه الستة في نسخةٍ حديثة بدار الكتب المصرية (٢٠٥٣١) نُسخت سنة (١٣٠١)، وعنها في طبعة الفقي (١/ ٤٨٧)، ولعل الناسخ قد زادها من «الإغاثة». انظر هامش المحقق في طبعة دار الكتب المصرية (٢/ ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>