للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتضمّنت هذه الآية: أجلَّ شهادةٍ وأعظمَها وأعدلَها وأصدقَها، من أجلِّ شاهدٍ، بأجلِّ مشهودٍ به.

وعباراتُ السَّلَف في «شهد» تدور على الحكم، والقضاء، والإعلام، والبيان، والإخبار. قال مجاهدٌ: حكَمَ، وقضى. وقال الزَّجَّاج: بيَّن. وقالت طائفةٌ: أعلَمَ وأخَبَر (١). وهذه الأقوال كلُّها حقٌّ لا تنافي بينها، فإنَّ الشَّهادَة تتضمَّن كلامَ الشّاهد وخبرَه وقولَه، وتتضمَّن إعلامَه وإخبارَه وبيانَه. فلها أربعُ مراتب. فأوّل مراتبها: علمٌ ومعرفةٌ واعتقادٌ لصحّة المشهود به وثبوته. وثانيها: تكلُّمُه بذلك ونطقُه به، وإن لم يُعلِمْ به غيرَه، بل يتكلَّم بها مع نفسه ويذكرها وينطق بها أو يكتبها. وثالثها: أن يُعلِمَ غيرَه بما شهِد به، ويخبرَه به، ويبيِّنه له. ورابعها: أن يُلْزِمَه بمضمونها ويأمرَه به.

فشهادةُ الله سبحانه لنفسه بالوحدانيّة والقيام بالقسط تضمَّنَت هذه المراتبَ الأربعة: علمَه سبحانه بذلك، وتكلُّمَه به، وإعلامَه وإخبارَه لخلقه به، وأمرَهم وإلزامَهم به.

فأمّا مرتبة العلم، فإنَّ الشّهادةَ بالحقِّ تتضمّنها ضرورةً، وإلّا كان الشّاهدُ شاهدًا بما لا علم له به. قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: ٨٦]. وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «على مثلها فاشهد»، وأشار إلى الشَّمس (٢).


(١) انظر: «معاني القرآن» للزجاج (١/ ٣٨٥)، و «معاني القرآن» للنحاس (١/ ٣٦٩)، و «النكت والعيون» (١/ ٣٧٩)، و «زاد المسير» (١/ ٣٦٢).
(٢) أخرجه ابن عدي في «الكامل» في ترجمة محمد بن سليمان بن مسمول (٩/ ٢٥٢ - الرشد) والعقيلي في «الضعفاء» (٥/ ٢٦٥ - دار ابن عباس) والحاكم (٤/ ٩٨) وأبو نعيم في «الحلية» (٤/ ١٨) والبيهقي في «السنن» (١٠/ ١٥٦) من حديث عبد الله بن عباس. في إسناده محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف، وقال البيهقي: لم يُروَ من وجهٍ يُعتمد عليه. انظر: «التلخيص الحبير» (٦/ ٣٢١٣) و «إرواء الغليل» (٢٦٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>