للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَن لم يكن، ويبقى مَن لم يزل.

قال صاحب "المنازل" (١): (هو اضمحلال ما دون الحقِّ علمًا، ثمّ جحدًا، ثمّ حقًّا. وهو على ثلاث درجاتٍ:

الدّرجة الأولى: فناءُ المعرفة في المعروف، وهو الفناء علمًا. وفناءُ العِيان في المُعايَن وهو الفناء جحدًا. وفناءُ الطّلب في الوجود وهو الفناء حقًّا.

الدّرجة الثّانية: فناءُ شهود الطّلب لإسقاطه، وفناءُ شهود المعرفة لإسقاطها، وفناءُ شهود العيان لإسقاطه.

الدّرجة الثّالثة: الفناءُ عن شهود الفَناء ــ وهو الفَناء حقًّا ــ شائمًا برقَ العين، راكبًا بحرَ الجَمْع، سالكًا سبيلَ البقاء).

فنذكر ما في هذا الكلام من حقٍّ وباطلٍ، ثمّ نُتْبِعُه ذكرَ أقسام الفناء، والفرق بين الفناءِ المحمودِ الذي هو فناء خاصَّة أولياء الله المقرَّبين (٢)، والفناءِ المذمومِ الذي هو فناء أهل الإلحاد القائلين بوحدة الوجود، وفناءِ المتوسِّطين الناقصين عن درجة الكمال، بعون الله وحوله وتأييده.

فقوله: (الفناء اضمحلالُ ما دون الحقِّ جحدًا)، لا يريد به أنّه يعدَم من الوجود بالكلِّيّة. وإنّما يريد اضمحلالَه في العلم، فيعلَمُ أنَّ ما دونه باطلٌ، وأنَّ وجودَه بين عدمين، وأنّه ليس له من ذاته إلّا العدَم. فعدمُه بالذّات، ووجودُه بإيجاد الحقِّ له، فيفنى في علمه كما كان فانيًا في حال عدمه. فإذا فني في علمه ارتقى إلى درجةٍ أخرى فوق ذلك، وهي جحدُ السِّوى وإنكاره. وهذه أبلغ


(١) (ص ١٠٤).
(٢) ع: "والمقربين".

<<  <  ج: ص:  >  >>