للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنفسه، حيث لا هناك رسمٌ ولا مكوَّنٌ، فما وحَّد اللهَ حقيقةً إلّا اللهُ.

والاتِّحاديُّ يقول: ما ثمَّ غيرٌ يوحِّده، بل هو الموحِّد لنفسه بنفسه، إذ ليس ثمّ سوًى في الحقيقة.

وقوله: (ونعتُ مَن ينعته لاحدُ)، أي نعتُ النّاعت له ميلٌ وخروجٌ عن التّوحيد الحقيقيِّ ــ والإلحادُ أصله: الميل ــ لأنّه بنعته له قائمٌ بالرُّسوم، وبقاءُ الرُّسوم ينافي توحيدَه الحقيقيَّ.

والاتِّحاديُّ يقول: نعتُ النّاعت له شركٌ، لأنّه أسند إلى المطلَق ما لا يليق به إسنادُه من التّقييد، وذلك شركٌ وإلحادٌ (١).

فرحمةُ الله على أبي إسماعيل، فتَح للزّنادقة بابَ الكفر والاتِّحاد (٢)، فدخلوا منه، وأقسموا بالله جَهْدَ أيمانهم: إنّه معهم ومنهم (٣). وغرَّه سرابُ الفناء، فظنّ أنّه لجّةُ بحر المعرفة وغايةُ العارفين، وبالغ في تحقيقه وإثباته، فقاده قَسْرًا إلى ما ترى.

و"الفناء" الذي يشير إليه القوم ويعملون عليه: أن تذهبَ المحدَثاتُ في شهود العبد، وتغيبَ في أفق العدَم كما كانت قبل أن توجد، ويبقى الحقُّ تعالى كما لم يزل. ثمّ تغيبَ صورةُ المشاهِد ورسُمه أيضًا، فلا يبقى له صورةٌ ولا رسمٌ، ثمّ يغيب شهوده أيضًا، فلا يبقى له شهودٌ، ويصيرَ الحقُّ هو الذي يشاهِد نفسَه بنفسه، كما كان الأمر قبل إيجاد المكوَّنات. وحقيقته: أن يفنى


(١) وقد أفاض المصنف القول في تفسير الأبيات المذكورة حيث جاءت في آخر الكتاب.
(٢) ش: "الإلحاد".
(٣) ع: "إنه لمنهم، وما هو منهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>