للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توحيدُه إيّاه توحيدُه ... ونعتُ مَن ينعته لاحدُ

ومعنى أبياته: ما وحَّدَ اللهَ عزَّ وجلَّ أحدٌ حقَّ توحيده الخاصِّ الذي تفنى فيه الرُّسوم، ويضمحلُّ فيه كلُّ أحدٍ (١)، ويتلاشى فيه كلُّ مكوَّنٍ؛ فإنّه لا يتصوَّر منه التّوحيد إلّا ببقاء الرّسم، وهو الموحِّدُ وتوحيدُه القائم به. فإذا وحَّده شهِد فعلَه الحادث ورسمَه الحادث، وذلك جحودٌ لحقيقة التّوحيد الذي تفنى فيه الرُّسوم، وتتلاشى فيه الأكوان. فلذلك قال: "إذ كلُّ من وحَّده جاحدٌ". هذا أحسنُ ما يُحمَل عليه كلامُه.

وقد فسَّره أهلُ الوحدة بصريح مذهبهم (٢). قالوا: معنى "كلُّ من وحَّده جاحدُ" أي كلُّ من وحَّده فقد وصف الموحَّدَ بصفةٍ تتضمَّن جحدَ حقِّه الذي هو عدمُ انحصاره تحت الأوصاف. فمَن وصَفَه فقد جَحَد إطلاقَه عن قيود الصِّفات (٣).

وقوله: (توحيدُ من ينطق عن نعته عاريةٌ) أي: توحيدُ المحدَثِ له النّاطقِ عن نعته عاريّةٌ مسترَدَّةٌ، فإنّه الموحَّد قبل توحيد هذا النّاطق وبعد فنائه، فتوحيدُه له عاريّةٌ أبطلها الواحدُ الحقُّ بإفنائه كلَّ ما سواه.

والاتِّحاديُّ يقول: معناه أنَّ الموحَّد واحدٌ من جميع الوجوه، فأبطَلَ ببساطة ذاته تركيبَ نطق واصفه، وأبطَلَ بإطلاقه تقييدَ نعتِ موحِّدِه.

قوله: (توحيدُه إيّاه توحيدُه)، يعني أنّ تَوحيدَه الحقيقيّ هو توحيدُه


(١) ع: "كلُّ حادث".
(٢) ع: "بصريح كلامهم في مذهبهم".
(٣) انظر: "شرح التلمساني" (٢/ ٦١١) لهذه الفقرة وما عزاه إلى "الاتحادي" فيما يأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>