للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤]. فهؤلاء مسلمون، وليسوا بمؤمنين، لأنّهم ليسوا ممّن باشر الإيمانُ قلبَه، فذاق طعمه. وهذا حال أكثر المنتسبين إلى الإسلام. وليس هؤلاء كفّارًا، فإن الله سبحانه أثبت لهم الإسلام بقوله: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}، ولم يرد: قولوا بألسنتكم من غير مواطأة القلب، فإنّه فرّق بين قولهم «آمنّا» وقولهم «أسلمنا»، ولكن لمّا لم يذوقوا طعم الإيمان قال: {لَمْ تُؤْمِنُوا}، ووعدهم سبحانه مع ذلك على طاعتهم أن لا ينقُصَ من أجور أعمالهم شيئًا.

ثمّ ذكر أهل الإيمان الذين ذاقوا طعمه، وهم الذين آمنوا به وبرسوله ثمّ لم يرتابوا في إيمانهم. وإنّما انتفى عنهم الرَّيب لأنّ الإيمان قد باشر قلوبَهم، وخالطتْها بشاشتُه، فلم يبقَ للرّيب فيه موضعٌ.

وصدَّق ذلك الذّوقَ بذلُهم أحبَّ شيءٍ إليهم في رضا ربِّهم تعالى، وهو أموالهم وأنفسهم. ومن الممتنع حصولُ هذا البذل من غير ذوقٍ لطعم الإيمان ووجودِ حلاوته، فإنّ ذلك يُصدِّق الذّوق والوجد. كما قال الحسن: ليس الإيمان بالتّمنِّي ولا بالتّحلِّي، ولكن ما وقَرَ في القلب وصدَّقه العمل (١).

فالذّوق والوجد أمرٌ باطنٌ، والعمل دليلٌ عليه ومصدِّقٌ له. كما أنّ الرّيب والشّكّ والنِّفاق أمرٌ باطنٌ، والعمل دليلٌ عليه ومصدِّقٌ له، فالأعمال


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٠٩٨٨)، والخطّابي في «غريب الحديث» (٣/ ١٠١)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (١١٧٨)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٦٥) من طرقٍ عن الحسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>