للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيغفُل عن ذكر ربِّه، ويتّبع هواه، ويصير أمره فُرُطًا. والرّبط على القلب شَدُّه برباط التّوفيق (١)، فيتّصلُ بذكر ربِّه، ويتّبع مرضاته، ويجتمع عليه شَمْلُه. فلهذا استشهد عليه بهذه الآية في مقام الوجد.

والشّيخ - رحمه الله - جعل مقام الوجد غير مقام الوجود كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فإنّ الوجود عند القوم هو الظَّفر بحقيقة الشّيء. و «الوجد» هو ما يُصادف القلب ويَرِد عليه من واردات المحبّة والشّوق، والإجلال والتّعظيم، وتوابع ذلك. و «المواجيد» عندهم فوق الوجد، فإنّ الوجد مصادفةٌ، والمواجيد ثمراتُ الأوراد، وكلّما كثرت الأوراد قويت المواجيد. و «الوجود» عندهم فوق ذلك، وهو الظّفر بحقيقة المطلوب، ولا يكون إلّا بعد خمودِ البشريّة، وانسلاخِ أحكام النّفس انسلاخًا كلِّيًّا.

قال الجنيد - رحمه الله -: علم التّوحيد مُبايِنٌ لوجوده، ووجودُه مُبايِنٌ لعلمه (٢).

ولا يريد بالمباينة: المخالفة والمناقضة، فإنّه يطابقه مطابقةَ العلم للمعلوم. وإنّما يريد بالمباينة أنّ حالَ الموحِّد وذوقَه للتّوحيد وانصباغَ قلبه بحاله: أمرٌ وراء علمه به، ومعرفته به. والمباينة بينهما كالمباينة بين علم الشّوق والتّوكُّل والخوف ونحوها وبين حقائقها ومواجيدها.

فالمراتب أربعةٌ:

أضعفُها: التّواجد، وهو نوع تكلُّفٍ وتعمُّلٍ واستدعاءٍ. واختلفوا فيه: هل


(١) «فيغفل ... التوفيق» ساقطة من ت.
(٢) «الرسالة القشيرية» (ص ٢٤٧، ٦٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>