أحدهما: الشّرف، أي فراسةٌ شريفةٌ، فإنّ الرّجل السَّرِيّ هو الرّجل الشّريف، وجمعه سَراةٌ، ومنه ــ في أحد التّأويلين (١) ــ قوله: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا}[مريم: ٢٤] أي سيِّدًا مطاعًا، وهو المسيح. وعلى هذا يكون «سَرِيّةٌ» بوزن شَريفةٍ.
والثّاني: أن يكون من السِّرِّ، أي فراسةٌ متعلِّقةٌ بالأسرار لا بالظّواهر، فيكون «سِرِّيَّةٌ» بوزن شِرِّيبةٍ ومِكِّيثةٍ.
قوله:(لم تَجتلِبْها رَوِيّةٌ).
أي لا تكون عن فكرةٍ، بل تَهْجُم على القلب هجومًا لا يُعرَف سببه.
قوله:(على لسانٍ مصطنعٍ)، أي مختارٍ مصطفًى على غيره.
(تصريحًا أو رمزًا)، يعني أنّ هذا المختار المصطفى يُخبِر بهذه الفراسة العالية عن أمورٍ مغيّبةٍ، تارةً بالتّصريح، وتارةً بالتّلويح، إمّا سترًا لحاله، وإمّا صيانةً لما أخبر به عن الابتذالِ ووصولهِ إلى غير أهله، وإمّا لغير ذلك من الأسباب. والله أعلم.
* * * *
(١) والثاني أنه النهر الصغير. انظر التأويلين في «تفسير الطبري» (١٥/ ٥٠٦ وما بعدها)، و «زاد المسير» (٥/ ٢٢٢) وغيرهما.