للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قسّم بعضهم (١) الصُّوفيّة أربعة أقسامٍ: أصحاب السّوابق، وأصحاب العواقب، وأصحاب الوقت، وأصحاب الحقِّ. قال:

فأمّا أصحاب السّوابق: فقلوبهم أبدًا فيما سبق لهم من الله سبحانه، لعلمهم أنّ الحكم الأزليّ لا يتغيّر باكتساب العبد. ويقولون: من أقْصَتْه السّوابقُ لم تُدْنِه الوسائل. ففكرهم (٢) في هذا أبدًا، ومع ذلك فهم مُجِدُّون في القيام بالأوامر، واجتناب النّواهي، والتّقرُّب إلى الله بأنواع القرب، غير واثقين بها، ولا ملتفتين إليها. يقول قائلهم (٣):

من أين أُرضِيكَ إلّا أن تُوفِّقني ... هيهاتَ هيهاتَ ما التّوفيقُ من قِبَلِي

إن لم يكن ليَ في المقدور سابقةٌ ... فليس ينفعُ ما قدَّمتُ من عملي

وأمّا أصحاب العواقب: فهم مفكّرون (٤) فيما يُختَم به أمرهم، فإنّ الأمور بأواخرها، والأعمال بخواتيمها، والعاقبة مستورةٌ، كما قيل: لا يَغُرّنَّك صَفاءُ الأوقات، فإنّ تحتها غوامضَ الآفات (٥). فكم من ربيعٍ نوَّرتْ أشجاره، وظهرتْ أزهاره، وزَهَتْ ثماره، لم يلبث أن أصابته جائحةٌ سماويّةٌ، فصار كما قال الله عزّ وجلّ: {وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا


(١) لم أعرف مَن هو.
(٢) ت: «فقلوبهم».
(٣) البيت الأول منهما ضمن أبيات في «التكملة» لابن الأبار (٣/ ١٨٤، ١٨٥)، ونُسبت لابن عصام وليست له.
(٤) ر: «متفكرون».
(٥) قاله أبو الحسن الحصري الصوفي، كما في «تاريخ بغداد» (١١/ ٣٤٠)، و «تاريخ الإسلام» (٨/ ٣٦٢)، و «طبقات الأولياء» لابن الملقن (ص ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>