والعوائد غالبةً، والطّبيعة حاكمةً= فالقلب حينئذٍ إمّا أن يكون أسيرًا ذليلًا، أو مهزومًا مُخرَجًا عن وطنه ومستقرِّه الذي لا قرار له إلّا فيه، أو قتيلًا ميِّتًا، ما لِجُرحٍ به إيلامٌ. وأحسن أحواله أن يكون في حربٍ، يُدَال (١) فيها مرّةً، ويُدَال عليه مرّةً. فإذا مات العبد موته الطّبيعيّ كانت بعده حياة روحه بتلك العلوم النّافعة، والأعمال الصّالحة، والأحوال الفاضلة، التي حصلت له بإماتة نفسه، فتكون حياته هاهنا على حسب موته الإراديِّ في هذه الدّار.
وهذا موضعٌ لا يفهمه إلّا أَلِبَّاء النّاس وعقلاؤهم، ولا يعملُ بمقتضاه إلّا أهلُ الهِمم العليّة والنُّفوسُ الزّكيّة الأبيّة.
فصل
المرتبة السّابعة من مراتب الحياة: حياة الأخلاق والصِّفات المحمودة، التي هي هيآتٌ راسخةٌ للموصوف بها، فهو لا يتكلَّف التّرقِّيَ في درجات الكمال، ولا تَشُقُّ عليه، لاقتضاء أخلاقه وصفاته لذلك، بحيث لو فارقه لفارقَ ما هو من طبيعته وسجيّته. فحياةُ من قد طُبِع على الحياء والعفّة والجود والسّخاء والمروءة والصِّدق والوفاء ونحوها أتمُّ من حياة من يَقْهَر نفسَه ويُغالِب طبعَه حتّى يكون كذلك، فإنّ هذا بمنزلة من يُعارِضه أسباب الردى وهو يعالجها ويَقمَعُها بأضدادها، وذلك بمنزلة من قد عُوفِيَ من ذلك.
وكلّما كانت هذه الأخلاق في صاحبها أكملَ كانت حياته أقوى وأتمَّ، ولهذا كان خُلق الحياء مشتقًّا من الحياة اسمًا وحقيقةً، فأكمل النّاس حياةً