الثّالث: أنّه لا سبيلَ في الدُّنيا إلى مشاهدةٍ تُزِيل الشّوقَ البتّةَ. ومن ادّعى هذا فقد كذب، فإنّه لم يحصل هذا لموسى بن عمران كليم الرّحمن فضلًا عمّن دونه. فما هذه المشاهدة التي مذهب هذه الطّائفة مبنيٌّ عليها بحيث لا يكون معها شوقٌ؟ أهي كمال المشاهدة عيانًا وجهرةً؟ سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ. أم نوعٌ من مشاهدة القلب لمعروفه، مع اقترانها بالحجب الكثيرة التي لا يُحصيها إلّا الله؟ فهل تمنع هذه المشاهدة الشّوقَ إلى كمالها وتمامها؟ وهل الأمر إلّا بالعكس في العقل والفطرة والحقيقة، لأنّ من شاهد محبوبه من بعض الوجوه كان شوقه إلى كمال مشاهدته أشدَّ وأعظم، وتكون تلك المشاهدة الجزئيّة سببًا لاشتياقه إلى كمالها وتمامها، فأين العلّة في الشّوق؟ وأين المشاهدة المانعة من الشّوق؟ وهذا بحمد الله ظاهرٌ.
فصل
قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة الأولى: شوق العابد إلى الجنّة، ليأمنَ الخائفُ، ويفرحَ الحزين، ويَظْفَر الآمل).
يعني: شوق العابد إلى الجنّة فيه هذه الحِكَم الثّلاث:
أحدها: حصول الأمن الباعث على العمل، فإنّ الخوف المجرّد عن الأمن من كلِّ وجهٍ لا ينبعث صاحبه لعملٍ البتّةَ إن لم يقارِنْه أمنٌ، فإن تجرّد عنه قُطِع، وصار قنوطًا.