للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وأمّا الأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فالقرآن مملوءٌ به.

فرأس الأدب معه: كمالُ التّسليم له، والانقياد لأمره، وتلقِّي خبرِه بالقبول والتّصديق، دون أن يُحمِّلَه معارضةَ خيالٍ باطلٍ يسمِّيه معقولًا، أو يُحمِّله شبهةً أو شكًّا، أو يُقدِّم عليه آراء الرِّجال وزُبالاتِ أذهانهم. فيوحِّده بالتّحكيم والتّسليم والانقياد والإذعان، كما وحَّد المرسِلَ بالعبادة والخضوع والذُّلِّ والإنابة والتّوكُّل.

فهما توحيدان لا نجاةَ للعبد من عذاب الله إلّا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرّسول. فلا يُحاكِم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يَقِفُ (١) تنفيذَ أمره وتصديقَ خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه، وذِي مذهبه وطائفته ومن يُعظِّمه، فإن أذِنُوا له نفَّذه وقبِلَ خبره، وإلّا فإنْ طلبَ السّلامة أعرضَ عن أمره وخبره وفوَّضه إليهم، وإلّا حرَّفَه عن مواضعه، وسمّى تحريفه تأويلًا وحملًا، فقال: نُؤوِّله ونَحمِله. فلأن يَلقى العبدُ ربَّه بكلِّ ذنبٍ على الإطلاق ــ ما خلا الشِّرك بالله ــ خيرٌ له من أن يلقاه بهذه الحال.

ولقد خاطبتُ يومًا بعض أكابر هؤلاء، فقلت له: سألتُك الله، لو قُدِّر أنّ الرّسول - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ بين أظهرنا، وقد واجَهَنا بخطابه وكلامه، أكان فرضًا علينا أن نتبعه من غير أن نَعرِضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه، أم لا نتبعه حتّى نَعرِض ما سمعناه منه على آراء النّاس وعقولهم؟


(١) وقفَ الأمرَ على كذا: علَّقه عليه. فهو فعل متعدٍ، وفي القرآن: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>